الصلح فى القانون المدني هو عقد يحسم به المتخاصمين النزاع القائم أو يتوقيان به نزاع محتمل ، وهذا الصلح له أركان مثل سائر العقود وشروط لصحته وبانتفاء هذه الشروط أو أحد الأركان يكون باطلا ، ويجوز فسخ عقد الصلح اذا أخل أحد المتصالحين بأحد بنوده ، لانه عقد ملزم لطرفيه وبما تم الاتفاق عليه ، حيث أن كل طرف يتنازل عن جزء من حقه مقابل الصلح ، وهذا البحث المعتمد على أراء العلامة السنهورى يتناول عقد الصلح وفقا لنصوص القانون المدنى التى تناولته
النص القانوني :
تنص المادة 549 من التقنين المدني على ما يأتي :
\" الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعاً قائماً أو يتوقيان به نزاعاً محتملاً ، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه
ويخلص من هذا النص أن للصلح مقومات ثلاثة هي :
1 - النزاع القائم أو محتمل .
2 - نية حسم النزاع .
3 - نزول كل من المتصالحين على الوجه التقابل عن الجزء من ادعائه
نزاع قائم او محتمل :
أول مقومات الصلح هو أن يكون هناك نزاع بين المتصالحين قائم أو محتمل . فإذا لم يكن هناك نزاع قائم ، أو في القليل نزاع محتمل ، لم يكن العقد صلحاً ، كما إذا نزل المؤجر للمستأجر عن بعض الأجرة غير المتنازع فيها حتى يتمكن المستأجر من دفع الباقي ، فهذا إبراء من بعض الدين وليس صلحاً
فإذا كان هناك نزاع قائم مطروح على القضاء ، وحسمه الطرفان بالصلح :
كان هذا الصلح قضائياً ( judiciaire ) .ولكن يشترط إلا يكون قد صدر حكم نهائي في النزاع ، وإلا انحسم النزاع بالحكم لا بالصلح على النزاع المطروح على القضاء يعتبر باقياً ، ومن ثم يكون هناك محل للصلح ، حتى لو صدر حكم في النزاع إذا كن هذا الحكم قابلاً للطعن فيه بالطرق العادية كالمعارضة والاستئناف أو بالطرق غير العادية كالنقص والتماس إعادة النظر. وحتى لو صدر حكم نهائي غير قابل للطعن فيه ، فإنه يجوز أن يجد نزاع بين الطرفين على تنفيذ هذا الحكم أو على تفسيره ، فهذا النزاع أيضاً يجوز أن يكون محلاً للصلح
وليس من الضروري أن يكون هناك نزاع قائم مطروح على القضاء بل يكفي أن يكون وقوع النزاع محتملاً بين الطرفين ، فيكون الصلح لتوقي هذا النزاع ، ويكون في هذه الحالة صلحاً غير قضائي ( extrajudiciaire). والمهم أن يكون هناك نزاع جدي ، قائم أو محتمل. ولو كان أحد الطرفين هو المحق دون الآخر وكان حقه واضحاً ، ما دام هو غير متأكد من حقه. فالمعيار إذن هو معيار ذاتي محض ، والعبرة بما يقوم في ذهن كل من الطرفين لا بوضوح الحق في ذاته
وقد يكون النزاع في القانون ، كما إذا وقع نزاع بين الطرفين على القيمة القانونية لسند يتمسك به أحدهما ، فيتصالحان لحسم هذا النزاع القانوني . والصلح في هذه الحالة يكون صحيحاً ، حتى لو كان السند في نظر رجل القانون ظاهر الصحة أو ظاهر البطلان ، فالعبرة كما قدمنا بما يقوم في ذهن الطرفين ، حتى لو قام الصلح على غلط في القانون وقع فيه أحد الطرفين فسنرى أن الغلط في القانون لا يبطل الصلح
وقد يكون النزاع في الواقع لا في القانون ،كما إذا قام نزاع بين المسئول والمضرور قد وقع هل وقع خطأ من المسئول أو لم يقع ، أو قام نزاع على مدى التعويض بفرض أن المسئول مقر بالخطأ . فيحسم الطرفان بالصلح هذا النزاع ، والعبرة كما قدمنا بما يقوم في ذهن كل منهما مهما كان الواقع في ذاته واضحاً لا مجال فيه للشك .
نية حسم النزاع :
ويجب أن يقصد الطرفان بالصلح حسم النزاع بينهما ، أما بإنهائه إذا كان قائماً ، وإما بتوقيه إذا كان محتملاً . فإذا تنازع طرفان على ملكية منقول قابل للتلف ، واتفقا على بيعه تفادياً لتلفه وإيداع الثمن خزانة المحكمة ، على أن يثبت المحكمة فيمن منهما هو المالك فيكون الثمن من حقه ، لم يكن الاتفاق على بيع المنقول صلحاً لأنه لم يحسم النزاع الواقع على ملكية المنقول . وقد قضى بأنه لا يعتبر صلحاً تعهد أحد الخصمين للآخر ، أثناء نظر الدعوى ، ببيع العقار محل النزاع بين الطرفين. وقضى أيضاً بأنه إذا اتفق الخصمان ، في دعوى فسخ قائمة بينهما ومتعلقة ببيع عين من أحدهما إلى الآخر ، على بيع هذه العين بيعاً معلقاً على شرط صدور الحكم في دعوى الفسخ ، لم يكن هذا الاتفاق صلحاً لأنه لم يحسم النزاع في دعوى الفسخ
ولكن ليس من الضروري أن يحسم الصلح جميع المسائل المتنازع عليها فيها بين الطرفين ، فقد يتناول الصلح بعض هذه المسائل فيحسمها ويترك الباقي للمحكمة تتولي هي البت فيه. كذلك يجوز للطرفين أن يتصالحا حسما للنزاع ، ولكنهما يتفقان على أن يستصدرا من المحكمة حكما ً بما تصالحا عليه ، فيوجهان الدعوى على هذا الأساس حتى يصدر من المحكمة الحكم المرغوب فيه ( jugement d expedient) ، فيكون هذا صلحاً بالرغم من صدور الحكم
نزول كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه.
فلو لم ينزل أحدهما عن شيء مما يدعيه ونزل الآخر عن كل ما يدعيه ، لم يكن هذا صلحاً ، بل هو محض نزول عن الادعاء . فإقرار الخصم لخصمه بكل ما يدعيه ، أو نزله عن ادعائه ، لا يكون صلحاً ، وهذا هو الذي يميز الصلح عن التسليم بحق الخصم ( acquiescement) ،ويميزه عن ترك الادعاء ( desistement) . ففي التسليم بالحق وفي ترك الادعاء حسم للنزاع ، ولكن بتضحية من جانب وأحد ، أما الصلح فيجب أن يكون تضحية من الجانبين
وليس من الضروري أن تكون التضحية من الجانبين متعادلة
فقد ينزل أحد الطرفين عن جزء كبير من ادعائه ، ولا ينزل الآخر إلا عن الجزء اليسير . ففي التسليم بحق الخصم وفي ترك الدعوى ، إذا قبل الطرف الآخر أن يتحمل في مقابل ذلك مصروفات الدعوى ، كان هذا صلحاً مهما كانت تضحية الطرف الآخر قليلة بالنسبة إلى تضحية الطرف الأول. بل قد يعمد شخص إلى الصلح مع خصمه حتى يتفادى التقاضي بما يجر من إجراءات معقدة وما يجشم من مصروفات باهظة وما يستغرق من وقت طويل ، أو حتى يتفادى علانية الخصومة والتشهير في أمر يؤثر كتمانه ، فينزل عن جزء من ادعائه لهذا الغرض حتى يسلم له الخصم بباقي حقه ، فيحصل عليه في يقين ويسر أو في سكون وتستر
تمييز الصلح من غيره مما يلتبس به
يلتبس الصلح بالتحكيم في أن كلا منهما يقصد به حسم خصومة دون استصدار حكم قضائي . ولكن التحكيم يختلف عن الصلح اختلافاً بيناً ، ففيه يتفق الطرفان على محكمين يبتون في نزاعهم . فالذي يبت في النزاع في التحكيم ( compromise ) هم المحكمون ، أما في الصلح ( transaction ) فهم أطراف الخصومة أنفسهم والتحكيم لا يقتضي تضحية من الجانبين ، على خلاف الصلح ، إذ المحكمون كالقضاة يحكمون لمن يرون أن له حقاً بحقه كله وإجراءات التحكيم وقواعده يبينها قانون المرافعات .
الصلح يختلف عن التسليم بالحق ( acquiescement ) وعن ترك الادعاء ( desistement ) في أن
الصلح يقتضي حتما تضحية من الجانبين ، أما التسليم بالحق وترك الادعاء فيتضمنان تضحية من جانب وأحد هو الجانب الذي سلم بحق الخصم أو ترك الادعاء . وكذلك يختلف الصلح عن إجازة العقد القابل للإبطال ، في أن الإجازة تتضمن نزولاً محضاً عن الحق في إبطال العقد . ولكن إذا كان هناك نزاع بين المتعاقدين في جواز إبطال البيع مثلاً ، وتصالحاً فأجاز المشتري البيع ونزل البائع في مقابل ذلك عن جزء من الثمن ، فهذا صلح لأنه يتضمن تضحية من الجانبين . وظاهر أن الصلح يختلف عن الإبراء في أن الإبراء نزول كامل عن الحق من أحد الجانبين ، أما الصلح فنزول جزئي من كل من الجانبين ، وإن كان كل منهما يحسم النزاع .
ويختلف الصلح عن توجيه اليمين الحاسمة في أن
الصلح يتضمن تضحية من الجانبين ، أما توجيه اليمين الحاسمة فلا يتضمن إلا تضحية من جانب وأحد هو الجانب الذي وجه اليمين ، إذ يكسب الجانب الآخر الذي يحلف اليمين كل ما يدعيه
وقد يستر الصلح هبة أو بيعاً
إذا كان أحد الطرفين ، تحت ستار الصلح ، إنما نزل عن حقه للآخر دون مقابل ، أو باعه منه بثمن معين كذلك قد يستر الصلح قسمة رضائية إذا أفرز المتقاسمون أنصبتهم في المال المشترك بالتراضي ، وحصل كل منهم على ما يعتقد أنه نصيبه كاملاً ، وإن سموا القسمة صلحاً . أما إذا كان هناك نزاع بينهم في مقدار نصيب كل منهم ، فاقتسموا المال الشائع بحسب أنصبة تصالحوا عليها وسموا العقد قسمة ، فإن القسمة هنا تستر صلحاً
وفي المثل الأخير الذي تستر القسمة فيه الصلح
يوجد في الواقع عقدان ، صلح وقسمة ، اختلط أحدهما بالآخر :
صلح على مقدار نصيب كل من المتقاسمين . وهذا هو عقد الصلح ، وإفراز لنصيب كل منهم وهذا هو عقد القسمة . وقد يختلط الصلح بعقود أخرى ، كما إذا تنازع شخصان على ملكية دار وأرض ، ثم تصالحا على أن يكون لأحدهما الدار وللآخر الأرض ، وفي الوقت ذاته باع أحدهما للآخر ما وقع في نصيبه بموجب الصلح ، فهنا اختلط عقد الصلح بعقد البيع . وفي جميع الأحوال التي يختلط فيها عقد الصلح بعقد آخر ، قد يرتبط العقدان ارتباطاً لا يقبل التجزئة بحيث إذا أبطل أحدهما وجب إبطال الأخر ، وقد يكونان قابلين للتجزئة فيبطل أحدهما ويبقى الآخر قائماً ، ويرجع في ذلك إلى نية الطرفين مستخلصة من الملابسات والظروف .
ويخلص مما قدمناه أن
القاضي هو الذي بكيف الاتفاق بأنه صلح أو بأنه عقد آخر ، وفقاً لعناصر الصلح التي قدمناها . ولا يتقيد في ذلك بتكييف الخصوم ، فقد يسمى الخصوم الصلح باسم عقد آخر أو يسمون عقداً آخر باسم الصلح كما رأينا . وقاضي الموضوع هو الذي يبت في وجود عناصر الصلح من حيث الواقع ، فيقرر ما إذا كان هناك نزاع قائم أو محتمل ، وما إذا كانت نية الطرفين حسم النزاع ، وما إذا كانت هناك تضحية من الجانبين ، فتتوافر بذلك عناصر الصلح ، ولا معقب عليه في ذلك من محكمة النقض . أما وجوب توافر هذه العناصر جميعاً ليكون العقد صلحاً فهذه مسألة قانون لا يستقل بها قاضي الموضوع ، على النحو الذي قدمناه ، أو استظهرها ولكنه أخطأ في تكييفها القانوني ،فإن حكمه يكون قابلاً للنقض
خصائص عقد الصلح
الصلح عقد من عقود التراضي
فلا يشترط في تكوينه شكل خاص ، بل يكفي توافق الإيجاب والقبول ليتم الصلح . وسنرى أن الكتابة ضرورية ، ولكن لإثبات الصلح لا لانعقاده .
عقد ملزم للجانبين
إذ يلتزم كل من المتصالحين بالنزول عن جزء من ادعائه في نظير تنازل الآخر عن جزء مقابل . فينحسم النزاع على هذا الوجه ، ويسقط في جانب كل من الطرفين الادعاء الذي نزل عنه ، ويبقى الجزء الذي لم ينزل عنه ملزماً للطرف الآخر .
عقد من عقود المعارضة
فلا أحد من المتصالحين يتبرع للآخر ، وإنما ينزل كل منهما عن جزء من ادعائه بمقابل ، هو نزول الآخر عن جزء مما يدعيه . وقد يكون الصلح عقداً محدداً ( commutative) كما هو الغالب ، فإذا قام نزاع بين شخصين على مبلغ من النقود فاتفقا على أن يعطي المدين للدائن مبلغاً أقل على سبيل الصلح ، فهنا قد عرف كل منهما مقدار ما أخذ ومقدار ما أعطي فالعقد محدد أما إذا تصالح أحد الورثة مع وارث آخر على أن يرتب له إيراداً مدى الحياة في مقابل حصته في الميراث المتنازع فيها ، فالعقد هنا احتمالي
الصلح عقد كاشف للحقوق لا منشئ لها
وأنه عقد غير قابل للتجزئة فبطلان جزء منه يقتضي بطلان العقد كله
التنظيم التشريعي لعقد الصلح
وضع التقنين المدني الجديد عقد الصلح بين العقود الواردة على الملكية ، لا لأنه ينقل الملكية كما هو الأمر في البيع والمقابضة والهبة والشركة والقرض ، إذ الصلح عقد يكشف عن الحقوق لا ينقلها ، بل لأنه يتضمن نزولاً من كل من المتصالحين عن جزء مما يدعيه ، والنزول عن الحق يرد على كيانه بالذات . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : \" دخل الصلح ضمن العقود التي ترد على الملكية ، لا لأنه ينقلها ، فسيأتي أن الصلح كاشف للحقوق لا ناقل لها ، بل لأنه يتضمن تنازلاً عن بعض ما يدعيه الطرفان من الحقوق ، والتنازل عن الحق يرد على كيانه لا مجرد ما ينتجه من الثمرات \"
وجاء التقنين الجديد أقرب الى المنطق في ترتيب نصوص الصلح من التقنين السابق ، فقسمها إلى أقسام ثلاثة
عرض في الأول منها إلى أركان الصلح ، فذكر الرضاء والأهلية والمحل والسبب ، واستطرد إلى إثبات الصلح . وعرض في القسم الثاني إلى آثار الصلح ، فبين أثره من حيث حسم النزاع ، ومن حيث انه كاشف لا منشئ ، وقرر أن هذه الآثار يجب أن تفسر تفسيراً ضيقاً لا توسع فيه . وعرض في القسم الثالث إلى بطلان الصلح ، فبين انه لا يجوز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون ، وأن الصلح لا يتجزأ فبطلان جزء منه يقتضي بطلان العقد كله. وقد كان المشروع التمهيدي يتضمن نصاً في فسخ الصلح ، إذا أضيف إلى النص الخاص بالبطلان سوغ على وجه ما أن يكون هناك قسم ثالث لانقضاء الصلح . ولكن هذا النص حذف كما سنرى في لجنة المراجعة ، ومع ذلك بقي القسم الثالث لا يتضمن إلا بطلان الصلح ، وكان الأولى إدماجه في القسم الأول المتعلق بأركان الصلح . وهذا ما سنسير عليه في بحثنا .
أهم الفروق بين التقنين الجديد والتقنين السابق في عقد الصلح :
بينت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي أهم هذه الفروق فيما يأتي
1 - عرض التقنين الجديد صراحة لإثبات الصلح ، فأوجب أن يكون بالكتابة . وهذا تقنين للقضاء المختلط في هذه المسألة .2 - ذكر التقنين الجديد صراحة الأثر الكاشف للصلح ، ومبدأ عدم التجزئة .
3 - بين التقنين الجديد في وضوح أن الطعن في الصلح بالبطلان بسبب غلط في القانون لا يجوز ، وترك بقية أسباب البطلان للقواعد العامة .
4 - أغفل التقنين الجديد نصين في التقنين السابق اكتفي فيهما بتطبيق القواعد العامة ، هما المادة 536 / 658 وهي تتعلق بالغلط في أرقام الحساب ، والمادة 537 / 659 وهي خاصة بانتقال التأمينات لتضمن الوفاء بالصلح
أركان الصلح
التراضي والمحل والسبب
التراضي في عقد الصلح :
شروط الانعقاد وشروط الصحة :
شروط الانعقاد
توافق الإيجاب والقبول كاف في عقد الصلح : قدمنا أن عقد الصلح من عقود التراضي ، فيكفي لانعقاده توافق الإيجاب والقبول من المتصالحين
ولكن الصلح لا يتم عادة إلا بعد مفاوضات طويلة ومساومات وأخذ ورد . فيجب تبين متى تم الاتفاق نهائياً بين الطرفين ، ولا يجوز الوقوف عند أية مرحلة من مراحل التفاوض في الصلح ما دام الاتفاق النهائي لم يتم .
وقد يقبل المضرور من المتسبب في الضرر عطية على سبيل الإحسان أو على سبيل التخفيف من مصابه ، فلا يكون هذا صلحاً . ذلك أن المتسبب في الضرر لم يرد بهذه العطية أن يقر بمبدأ المسئولية ، ولم يرد المضرور بقبولها أن يصالح على حقه في التعويض . فيبقى الباب مفتوحاً لمساءلة المتسبب في الضرر ، ولا يستطيع هذا أن يحتج بأنه تصالح مع المضرور ، كما لا يستطيع المضرور أن يحتج بأن المتسبب في الضرر قد أقر بمسئوليته
وتسرى على انعقاد الصلح بتوافق الإيجاب والقبول القواعد العامة في نظرية العقد . من ذلك طرق التعبير عن الإرادة ، والوقت الذي ينتج فيه التعبير عن الإرادة أثره ، وموت من صدر منه التعبير عن الإرادة أو فقده لأهليته ، والتعاقد ما بين الغائبين ، وغير ذلك من الأحكام العامة .
ولابد من وكالة خاصة في الصلح ، فلا يجوز للمحامي أن يصالح على حقوق موكله ما لم يكن الصلح منصوصاً عليه في عقد التوكيل . وتقول الفقرة الأولى من المادة 702 مدني :
لابد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة ، ووجه خاص في البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء \" . على أنه إذا كان هناك توكيل عام في أعمال الإدارة ، جاز أن يشمل هذا التوكيل الصلح المتعلق بأعمال الإدارة دون غيرها
الصلح القضائي :
يقع هذا الصلح بين الخصوم في دعوى مرفوعة بينهم أمام القضاء ، وتصدق عليه المحكمة . وقد نصت المادة 124 من تقنين المرافعات في هذا الصدد على ما يأتي : \" للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة في أية حال تكون عليها الدعوى إثبات ما اتفقوا عليه في محاضر الجلسة ، ويوقع عليه منهم أو من وكلائهم . فإذا كانوا قد كتبوا ما اتفقوا عليه ، ألحق المكتوب بمحضر الجلسة ، وأثبت محتواه فيه . ويكون لمحضر الجلسة في الحالين قوة السند التنفيذي واعتباره . وتعطي صورته وفقاً للقواعد المقررة لإعطاء صور الأحكام \" . ولا يجوز للمحكمة التصديق على الصلح إلا بحضور الخصمين ، لأن القاضي إنما يقوم بمهمة الموثق ، ولا يجوز توثيق عقد إلا بحضور الطرفين . فإذا غاب أحد الطرفين ، امتنع على القاضي التصديق على الصلح ، حتى لو كان الطرف الغائب قد قبل التصديق على الصلح في غيبته ، ولكن ذلك لا يمنع من اعتبار محضر الصلح الموقع عليه من الطرف الغائب سنداً يصح الحكم بمقتضاه . وإذا حضر الطرفان وعدل أحدهما عن الصلح ، لم يجز للقاضي التصديق عليه ، ويعتبر القاضي الصلح الذي عدل عنه أحد الطرفين ورقة من أوراق الدعوى يقدر قيمتها بحسب الظروف
ويعتبر هذا الصلح القضائي ، أو الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح ، بمثابة ورقة رسمية ، أي بمثابة سند واجب التنفيذ لتصديق القاضي عليه . ولكنه لا يعتبر حكماً ،فهو لا يخرج عن كونه عقداً ثم بين الخصمين
ويجوز لكل منهما الطعن فيه ، ولكن ذلك لا يكون بالطرق المقررة للطعن في الأحكام ، لأنه لا يعتبر حكماً كما قدمنا ، وإنما يكون طريق الطعن فيه بدعوى أصلية
فيجوز لكل من الطرفين أن يطلب في دعوى أصلية إبطال الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح لنقص في الأهلية ، أو لغلط في الواقع ، أو لتدليس ، أو لغير ذلك من أسباب البطلان. على انه يجوز أخذ حق اختصاص بموجب هذا الحكم ، لا لأنه حكم بالتطبيق للمادة 1085 مدني ، بل لأنه قد ورد في شأنه نص خاص يجيز أخذ حق الاختصاص ، وهو المادة 1087 مدني وتجري على الوجه الآتي : \" يجوز الحصول على حق اختصاص بناء على حكم يثبت صلحاً أو اتفاقاً تم بين الخصوم . ولكن لا يجوز الحصول على حق اختصاص بناء على حكم صادر بصحة التوقيع \"
ويجب تمييز الحكم الاتفاقي ( jugement convene jugement d expedient ) عن الحكم الصادر بالتصديق على المحضر الصلح ( judgment d homologation) السابق بيانه . وصورة الحكم الاتفاق هي أن يعمد الخصمان أثناء نظر الدعوى إلى الاتفاق على حسم النزاع ، فإذا كان المدعي يطالب المدعي عليه مثلاً بخمسمائة ، ثم يتفقان على أن يطالبه بأربعمائة ، ويسلم المدعي عليه بالطلبات المعدلة ، فلا يسع القاضي في هذه الحالة إلا أن يقضي بهذه الطلبات. والحكم الصادر بذلك إنما هو في الواقع نتيجة صلح بين الخصمين واتفاق ، ولذلك سمى بالحكم الاتفاقي . ولكن هذا الحكم يختلف في طبيعته عن الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح ، فإن هذا الحكم الأخير ليس حكماً كما قدمنا بل هو عقد وثقة القاضي في حدود سلطته الولائية ، بينما الحكم الاتفاقي هو حكم حقيقي صدر من القاضي في حدود س لطته القضائية . ومن ثم يسرى على الحكم الاتفاقي طرق الطعن المقررة في الأحكام فلا يطعن فيه بدعوى مستقلة ، ويخضع في تفسيره للقواعد المقررة في تفسير الأحكام لا في تفسير العقود ، ويجوز أخذ حق اختصاص بمقتضاه بموجب المادة 1085 مدني لا بموجب المادة 1087
إثبات عقد الصلح
نص قانوني : تنص المادة 552 من التقنين المدني على ما يأتي :
لا يثبت الصلح إلا بالكتابة أو بمحضر رسمي \"
ولم يكن التقنين المدني السابق يشتمل على نص مماثل ، ولكن القضاء المختلط كان قد استقر على وجوب الكتابة لإثبات الصلح لأسباب ترجع إلى أن الصلح يتضمن عادة شروطاً واتفاقات معقدة إذ هي ثمرة المساومات الطويلة والأخذ والرد ، فإذا اعتمدنا في إثباتها على شهادة الشهود فإن ذاكرة الشهود قد لا تعي كل ذلك . هذا إلى أن الصلح قد شرع لحسم النزاع فلا يجوز أن يخلق هو نزاعاً آخر قد ينشأ عن إباحة إثباته بالبينة ، والى أن المتصالحين يحرصون عادة على إثبات ما اتفقوا عليه لحسم النزاع في ورقة مكتوبة
وقد قنن التقنين المدني الجديد القضاء المختلط في هذا الصدد ، فأوجب أن يكون إثبات الصلح بالكتابة للاعتبارات المتقدمة ، حتى لو كانت قيمة الصلح لا تزيد على عشرة جنيهات .
والكتابة لا تلزم إلا لإثبات الصلح ، فهي غير ضرورية لانعقاده لأن الصلح كما قدمناه من عقود التراضي . ويترتب على ذلك انه إذا لم توجد كتابة لإثبات الصلح ، جاز إثباته بالإقرار وباليمين ، ويجوز استجواب الخصم لاحتمال أن يقر الصلح
كذلك يجوز إثبات الصلح بالبينة وبالقرائن ، ولو زادت قيمته على عشرة جنيهات ، إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي ، أو إذا فقد السند الكتابي الذي كان معداً من قبل لسبب أجنبي ( م 403 مدني ) .
ويجوز إثبات الصلح بالبينة وبالقرائن ، ولو زادت قيمته على عشرة جنيهات ، إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة ( م 402 مدني ) . وهذه مسألة كان الفقه الفرنسي يذهب فيها مذهباً آخر ، فكان لا يجيز الإثبات بالبينة أو بالقرائن ولو مع وجود مبدأ ثبوت بالكتابة ، لأن مبدأ الثبوت بالكتابة لا يكفي لتوضيح المسائل التي تناولها الصلح والاتفاقات التي تمت بشأنها ، فالاعتبارات التي استوجبت الإثبات بالكتابة ونبذ البينة والقرائن لا تزال قائمة حتى مع وجود مبدأ ثبوت بالكتابة . ولكن محكمة النقض الفرنسية قضت في عدة أحكام مطردة بجواز الإثبات بالبينة وبالقرائن إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة ، وفقاً للقواعد العامة المقررة في هذا الشأن
أما في مصر ، فلا محل للشك في جواز إثبات الصلح ، ولو زادت قيمته على عشرة جنيهات ، بالبينة وبالقرائن ، إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة . والمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي صريحة في هذا المعنى إذ تقول : \" والكتابة لازمة للإثبات لا للانعقاد ، فيجوز الإثبات باليمين والإقرار ، ولكن لا يجوز الإثبات بالبينة أو بالقرائن ، ولو في صلح لا تزيد قيمته على عشرة جنيهات ، إلا إذا وجد مبدأ ثبوت بالكتابة ، أو إذا وجد مانع يحول دون الحصول على الكتابة \"
كذلك يجوز إثبات الصلح بالبينة وبالقرائن ، ولو زادت قيمته على عشرة جنيهات ، إذا كان متعلقاً بنزاع تجاري ، ففي المسائل التجارية يجوز الإثبات بجميع الطرق أيا كانت القيمة
وغني عن البيان انه في الأحوال التي يجب فيها إثبات الصلح بالكتابة ، تكفي ورقة عرفية للإثبات . ومن باب أولى يكفي لإثبات الصلح المحضر الرسمي الذي تدون فيه المحكمة الصلح الواقع بين الخصوم ، فإن المحضر الرسمي حجة بما جاء فيه إلى أن يطعن فيه بالتزوير
شروط الصحة
الأهلية والخلو من عيوب الرضاء :
شروط الصحة في عقد الصلح ، كما في أي عقد آخر ، هي توافر الأهلية في المتصالحين وخلو إرادة كل منهما من العيوب .
الأهلية في عقد الصلح
النصوص القانونية :
تنص المادة 550 من التقنين المدني على ما يأتي :
\" يشترط فيمن يعقد صلحاً أن يكون أهلا للتصرف بعوض في الحقوق التي يشملها عقد الصلح \"
ويقابل هذا النص في التقنين المدني المختلط السابق المادة 655
ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري
م 518 – وفي التقنين المدني الليبي م 549 – وفي التقنين المدني العراقي
م 699 – وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 1036
ونرى من ذلك أن الأهلية الواجب توافرها في كل من المتصالحين هي أهلية التصرف بعوض في الحقوق التي تصالحا عليها ، لأن كلاً منهما ينزل عن جزء من ادعائه في نظير نزول الآخر عن جزء مقابل ، والنزول بمقابل عن حق مدعي به هو تصرف بعوض .
البالغ الرشيد :
فإذا بلغ الإنسان الرشد ولم يحجز عليه ، كانت له أهلية كاملة في الصلح على جميع الحقوق .
غير أن هناك حالة خاصة لاحظ فيها المشرع حالة من أدرك سن الرشد وتحاسب مع وصيه السابق في شؤون الوصاية ، وصدر منه تعهد أو مخالصة لمصلحة هذا الوصي في خلال سنة من تاريخ تقديم الوصي للحساب . فقد فرض المشرع في هذه الظروف المريبة أن من أدرك سن الرشد في تلهفه على وضع يده على أمواله خضع لتأثير الولي السابق ، وتصالح معه على شؤون الوصاية ، وانتهي إلى إمضاء مخالصة للوصي أو تعهد عليه . فنصت المادة 52 من قانون الولاية على المال على أنه \" يكون قابلاً للإبطال كل تعهد أو مخالصة تصدر لمصلحة الوصي ممن كان في وصايته وبلغ سن الرشد ، إذا صدرت المخالصة أو التعهد خلال سنة من تاريخ تقديم الحساب المشار إليه في المادة 45 \" . فالمخالصة التي أمضاها من بلغ سن الرشد ، أو التعهد الذي أخذه على نفسه لمصلحة الوصي ، فرض المشرع أنه صلح تم بين الطرفين ، ولكنه صلح فرضه الوصي على من كان قاصراً مستغلاً للظروف التي هو فيها ، فحصل منه على مخالصة أو ابتز منه تعهداً . فإذا صدرت هذه المخالصة أو هذا التعهد خلال سنة من تاريخ تقديم الوصي للحساب ، اكتملت القرينة التي فرضها القانون ، لأن هذه المدة ليست كافية لتخص الشخص من تأثير وصية السابق ، فيجعل المشرع هذه المخالصة أو هذا التعهد – وهذا تعامل ينطوي في حقيقته على صلح – قابلاً للإبطال ، فيجوز لمن كان قاصراً أن يطلب إبطال المخالصة أو التعهد
ولكن بلغ سن الرشد وأصبح أهلاً للتصالح على جميع حقوقه كما هو أهل للتصرف في هذه الحقوق ، وإنما يرجع الإبطال للظروف التي قدمناها ، فقد أقام المشرع قرينة على أن التعامل في هذه الأحوال إنما يتم تحت الضغط والإكراه ، وهي قرينة قانونية لا تقبل إثبات للعكس ، فالإبطال يرجع إلى عيب في الإدارة وهو الإكراه المفترض ، لا إلى نقص في الأهلية . على أن دعوى الإبطال يرجع إلى عيب في الإدارة وهو الإكراه المفترض ، لا إلى نقص في الأهلية . على أن دعوى الإبطال هذه ، وإن كانت قائمة على أساس إكراه مفترض ، تعتبر من الدعاوى المتعلقة بأمور الوصاية ، فلا تسقط إلا بمضي خمس سنوات من التاريخ الذي انتهت فيه الوصاية ( م 53 / 1 من قانون الولاية على المال ) ،بخلاف دعوى الإبطال للإكراه فإنها تسقط بثلاث سنوات من يوم انقطاع الإكراه أو بخمس عشرة سنة من وقت تمام العقد ( م 140 مدني )
وما ذكرناه في خصوص التعهد أو المخالصة التي تصدر ممن كان قاصراً وبلغ سن الرشد لمصلحة وصية السابق ، يسرى أيضاً على التعهد أو المخالصة التي تصدر ممن كان محجوراً عليه وفك عنه الحجر لمصلحة القيم السابق .
360 - الصبي المميز والمحجور عليه : والصبي المميز ليست له في الأصل أهلية التصرف في أمواله ، فلا يملك الصلح على الحقوق . ويجوز لوليه إذا كان هو الأب أن يصالح على حقوقه ، ولكن يجب عليه الحصول على إذن المحكمة إذا كان محل الصلح عقاراً أو محلا تجارياً أو أوراقاً مالية تزيد قيمتها عل ثلاثمائة جنيه ( م 7 من القانون الولاية على المال ) ، أو كان مالا موروثاً إذا كان مورث القاصر قد أوصى بألا يتصرف وليه في هذا المال فيجب هنا أيضاً الحصول على إذن المحكمة ( م 9 من القانون الولاية على المال ) . فإذا كان الولي هو الجد أو كان النائب عن القاصر وصياً ، فإنه لا يجوز له الصلح على حقوق القاصر إلا بإذن المحكمة ( م 15 من قانون الولاية على المال للجد و م 39 من نفس القانون للوصي ) ، إلا فيما قل عن مائة جنيه مما يتصل بأعمال الإدارة بالنسبة إلى الوصي وحده ( م 39 من قانون الولاية على المال ) . والمحجور عليه كالصبي المميز ، وولاية القيم في الصلح على ماله كولاية الوصي في الصلح على مال القاصر
على أن الصبي المميز المأذون له في تسلم أمواله وقد بلغ الثامنة عشرة يجوز له الصلح في حدود أعمال الإدارة التي هو أهل لها ( م 57 من قانون الولاية على المال ) . وكذلك الصبي المميز الذي بلغ السادسة عشرة ، فكانت له أهلية التصرف فيما يكسب من عمله من أجر أو غيره ، له أن يصالح على ما يكون له أهلية التصرف فيه من كسب ( م 63 من قانون الولاية على المال ) . وللصبي المميز ، أيا كانت سنة ، أن يصالح أيضاً على ما يكون له أهلية التصرف فيه فيما يسلم له أو يوضع تحت تصرفه عادة من مال لأغراض نفقته ( م 61 من قانون الولاية على المال ) .
الصبي غير المميز :
أما الصبي غير المميز فلا يملك الصلح كما لا يملك التعاقد بتاتاً لانعدام إرادته . ويجوز للولي أو الوصي أن يصالح على حقوقه في الحدود التي بيناها عند الكلام في الصبي المميز
عيوب الرضاء في عقد الصلح
وجوب أن يكون الرضاء خالياً من العيوب :
ورضاء كل من المتصالحين يجب أن يكون خالياً من العيوب ، فيجب ألا يكون مشوباً بغلط أو بتدليس أو بإكراه أو باستغلال ، شأن الصلح في ذلك شأن سائر العقود . وتستبقي الغلط لبحثه مستقلاً ، لأهمية الخاصة في عقد الصلح .
وإذا شاب الرضاء تدليس ، كان الصلح قابلاً للإبطال لمصلحة من دلس عليه وفقاً للقواعد العامة . فإذا زور شخص مستندات في نزاع قائم بينه وبين آخر ، فاعتقد الآخر صحة هذه المستندات وصالحه على هذا الأساس ، جاز له أن يطلب إبطال هذا الصلح للتدليس
وإذا ربح سند جائزة وكتم بائع السند عن مشتريه هذا الأمر ، وطالبه بالفسخ لعدم دفع الثمن ، ثم صالحه على الفسخ ، فإن هذا الصلح يكون مشوباً بالتدليس
وإذا ادعى شخص أنه قد وقع في الحاجة ، فدفع بذلك خصمه إلى قبول الصلح معه ، جاز إبطال الصلح للتدليس وإذا دلس التاجر على دائنيه ، فحملهم على الصلح معه حتى يشهروا إفلاسه جاز للدائنين الطعن في الصلح بالتدليس
وإذا شاب الرضاء إكراه ، جاز أيضاً إبطال الصلح وفقاً للقواعد المقررة في الإكراه . فإذا هدد شخص آخر بإذاعة سر شائن يحط من قدره إذا لم يقبل صلحاً عرضه عليه ، فقبل الآخر الصلح تحت ضغط هذا التهديد ، جاز له أن يطلب إبطال الصلح للإكراه.
وقد يشوب الصلح استغلال ،فتتبع القواعد المقررة في الاستغلال مثل ذلك أن يستغل شخص في شخص آخر طيشاً بيناً ، فيدفعه إلى قبول صلح يغبن فيه غلباً فادحاً ،فيجوز في هذا الحالة أن يرفع الطرف المستغل دعوى الاستغلال يطعن بها في الصلح
الغلط في القانون في عقد الصلح
نص قانوني :
تنص المادة 556 من التقنين المدني على ما يأتي : \" لا يجوز الطعن في الصلح بسب غلط في القانون \".
وهذا النص استثناء صريح من القواعد العامة ، فإن هذه القواعد تقضي بأن الغلط في القانون كالغلط في الواقع يجعل العقد قابلا للإبطال . وقد نصت المادة 122 مدني في هذا الصدد على أن \" يكون العقد قابلاً للمادتين السابقتين ، هذا ما لم يقض القانون بغيره \" . وقد قضى القانون فعلاً ، في المادة 556 مدني السالفة الذكر ، بغير ما تقضي به القواعد العامة ، وبأن الغلط في القانون في عقد الصلح لا يجعل الصلح قابلاً للإبطال
وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في تعليل هذا الاستثناء ما يأتي :
\" ويجب التمييز ما بين الغلط في فهم القانون ، وهذا لا يؤثر في الصلح علي خلافي القاعدة العامة ، والغلط في الوقائع ، وهذا يؤثر في الصلح سواء وقع في الشخص أو في صفته أو في الشيء محل النزاع أو في الباعث الخ ، ما دام الغلط جوهرياً . والسبب في أن الغلط في فهم القانون لا يؤثر في الصلح ، أن المتصالحين كانا وهما في معرض المناقشة في حقوقها يستطيعان التثبت من حكم القانون فيما قام بينهما من نزاع على هذه الحقوق . بل المفروض أنهما يثبتا من هذا الأمر ، فلا يسمع من أحد منهما بعد ذلك أنه غلط في فهم القانون \"
وهذا التعليل التقليدي الذي يتردد كثيراً في الفقه الفرنسي ، ينتقده الفقه الحديث ، فلا شيء يبرر الخروج على القواعد العامة في الغلط في الصلح وجعل الغلط في القانون لا يؤثر في صحة العقد
والقول بأن المتصالحين كانا وهما في معرض المناقشة في حقوقهما يستطيعان التثبت من حكم القانون فيما قام بينهما من نزاع ، بل المقرض أنهما تثبتا من هذا الأمر ، لا يمنع من أنهما بالرغم من هذا التثبيت يقعان في غلط في القانون . وإذا كان لا بد من تعليل لهذا الحكم ، فالظاهر أن اقرب تعليل هو أن المتصالحين ، ما داما على بينة من الواقع ولم يقعا في غلط فيه ، إنما يتصالحان على حكم القانون في النزاع الذي بينهما . وسواء علما حكم القانون في هذا النزاع أو لم يعلماه ، فهما قد قبلا حسم النزاع بينهما على الوجه الذي اتفقا عليه مهما كان حكم القانون . فلو أن أحدهما كان في غلط في حكم القانون وتبين غلطه قبل أن يبرم الصلح ، لما منعه تبينه للغلط من أن يمضي في الصلح الذي ارتضاه . هذا هو ما أقترضه المشرع ، فجعل الغلط في القانون ليس بالغلط الجوهري في عقد الصلح ، وليس من شأنه إذا علمه من وقع فيه أن يمنع من التعاقد
ويتوسع القضاء الفرنسي في استبعاد الغلط في القانون كسبب لإبطال الصلح . من ذلك أنه إذا اختلط الغلط في القانون بغلط في الواقع ، ومن ثم كان ينبغي أن يكون الغلط في الواقع كافياً وحده لإبطال الصلح ، فإن القضاء الفرنسي يستظهر الغلط في القانون ويجعله يجب الغلط في الواقع إذا كان هذا الغلط غير مغتفر ، ومن ثم لا يبطل الصلح إذ يقف عند الغلط في القانون وحده فإذا اصطلح شخصان في شأن سند باطل ، وكانا واقعين في غلط في الواقع وغلط في القانون ، في شأن هذا البطلان ، فإن الصلح مع ذلك لا يبطل للغلط إذا ظهر أنه كان ينبغي أن يدرك المتصالحان بطلان السند وإذا غلط أحد المتصالحين في جنسية المتعاقد معه ، فاختلط الغلط في الواقع بالغلط في القانون ، لم يعتد القضاء الفرنسي بالغلط في الواقع ووقف عند الغلط في القانون فلا يبطل الصلح
وينتقد بعض الفقهاء هذا التوسع ويذهبون إلى أنه لو أن القضاء فسر حكم الغلط في القانون تفسيراً ضيقاً كما ينبغي باعتباره استثناء من القواعد العامة ، ولم يجعله يجب الغلط في الواقع إذا خالطه ، لصعب في العمل أن يوجد غلط في القانون دون أن يخالطه غلط في الواقع ، ولضاقت دائرة الاستثناء إلى حد كبير
وقد سار القضاء المصري في عهد التقنين المدني السابق على أن الغلط في القانون لا يكون سبباً في إبطال عقد وأكد التقنين المدني الجديد هذا الحكم بنص صريح ( م 556 مدني السالفة الذكر ) .
الغلط في الحساب
كانت المادة ت 536 / 658 من التقنين المدني السابق تنص على أنه
يجب تصحيح الغلط في أرقام الحساب \" . ولم يحتفظ التقنين المدني الجديد بهذا النص اكتفاء بالنص الوارد في القواعد العامة ، وهو نص المادة 123 مدني ويجري على الوجه الآتي :
\" لا يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب ، ولا غلطات القلم ، ولكن يجب تصحيح الغلط \" .
فإذا وقع في الصلح غلط في الحساب ، وكان هذا الغلط مشتركاً بين المتصالحين ( ) كأن اتفق المتصالحان على الأسس التي يقوم عليها الصلح وتطبيقاً لهذه الأسس وضعا الأرقام المتفق عليها . ثم جمعت هذه الأرقام فوقع خطأ في الجميع ،فكان المجموع الصحيح ، لم يجز لمن وقع في نصيبه هذا المبلغ أن يحتج بهذا الخطأ وأنه إنما رضى بالصلح على أساس أن نصيبه مائتان وخمسون . بل يجب تصحيح الخطأ ، فيكون نصيبه مائتين وثلاثين ، ولا يبطل الصلح لهذا الخطأ
وكالغلط في الحساب غلطات القلم ، فإذا ذكر في عقد الصلح اسم أحد المتصالحين وكان ظاهراً أن المقصود هو المتصالح الآخر وجب تصحيح هذا الخطأ ووضع الاسم الصحيح مكان الاسم الخاطئ ،ولا يبطل الصلح لهذا الغلط.
الغلط في الواقع :
أما الغلط في الواقع في عقد الصلح فيخضع للقواعد العامة ، ويكون سبباً لإبطال الصلح إذا كان جوهرياً أي بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام الصلح ولو لم يقع في هذا الغلط ، وكان المتعاقد الآخر قد وقع مثله في هذا الغلط أو كان على علم به أو كان من السهل عليه أن يتبنه ( م 12 - م 121 مدني ) .
فإذا تسبب شخص في إصابة شخص آخر ، وتصالح المضرور مع المسئول أو شركة التأمين التي أمنت المسئول إذا كان للمضرور دعوى مباشرة ضد هذه الشركة ، فقد يقع المضرور في غلط في جسامة الإصابة وقت الصلح ، فيرضي بمبلغ قليل من المال معتقداً أن الإصابة يسيرة ، ثم يتبين بعد ذلك أن الإصابة من الجسامة بحيث تركت عنده عاهة مستديمة مثلاً ، بل قد تفضي الإصابة إلى موته . ففي مثل هذا الأحوال بجوز للمضرور أو وارثه أن يطلب إبطال الصلح لغلط جوهري وقع فيه ، وهذا الغلط في محل التعاقد ، فقد تصالح على إصابة ظن أنها يسيرة فإذا بها بلغت من الجسامة حداً كبيراً . ويجب أن تكون هذا الجسامة قد تكشفت عن ضرر يختلف في طبيعته عن الضرر الذي كان موجوداً وقت الصلح كحدوث عاهة مستديمة أو موت المصاب ، أما مجرد تفاقم الضرر الذي كان موجوداً وقت الصلح فلا يعدو أن ينتج غبناً والغبن لا يؤثر في الصلح
وقد عمدت شركات التأمين ،توقياً لإبطال الصلح ، أن تضع شروطاً تقضي بأن المضرور قد قبل الصلح على المبلغ الذي ارتضاه متنازلا عن المطالبة بأي مبلغ إضافي عن أي ضرر آخر تتكشف عنه الإصابة فيما بعد . فإذا عن القضاء الفرنسي لهذه الشروط ، وقضى بأن المضرور لا يستطيع معها أن يطلب إبطال الصلح للغلط.
ولكن الفقه ينتقد بحق هذا القضاء ، فتنازل المضرور عن المطالبة بأي تعويض إضافي لا يمنع من أن المضرور قد وقع في غلط وقت هذا التنازل ،ولا يكفي لافتراض لا يمنع من أن المضرور قد وقع في غلط وقت هذا التنازل ، ولا يكفي لافتراض إجازته لنتائج هذا الغلط أن يكون قد تنازل مقدماً عن أي تعويض إضافي في ورقة مطبوعة قدمتها له شركة التأمين فوقعها دون تدبر ، ولا تصح الإجازة الصادرة ممن وقع في غلط قبل أن يكشف عن هذا الغلط
أمثلة أخرى للغلط في الواقع :
وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد يشتمل على موارد أربع هي تطبيقات للغلط في الواقع ، وقد حذفت كلها في لجنة المراجعة لأن أحكامها مستفادة من القواعد العامة .
فكانت المادة 748 من المشروع التمهيدي تنص على أنه
1 - يكون الصلح قابلاً للبطلان ، إذا كان قد أبرم تنفيذاً لسد باطل ، وكان المتعاقد يجهل هذا البطلان بسبب غلط مادي . والغلط مفروض لصالح من يدعيه ، إلا إذا أثبت العكس أما من عبارات العقد ذاته أو من إقرار من المدعي أو من نكو له عن اليمين .
2 - أما إذا وقع الصلح صراحة على البطلان السند ذاته ، فإن العقد يكون صحيحاً \" .ويخلص من هذا النص أنه إذا تصالح شخص مع آخر على أساس سند باطل يتمسك به هذا الأخير – وصية عدل عنها الموصي مثلا أو حق اختراع انقضت مدته فوقع في الملك العام_ فان المفروض أن الشخص الأول كان يجهل بطلان السند ، ولو علمه لما أقدم على الصلح . فهو قد وقع في غلط جوهري ، أما في الشيء وإما في الباعث ، ومن ثم يجوز إبطال الصلح للغلط.
ولا يكلف بإثبات غلطة ، لأن إقدامه على إبرام صلح أساسه سند باطل قرينة على أنه لا يعلم بالبطلان . ولا يستطيع الطرف الآخر أن يثبت علم الطرف الأول بالبطلان ليدفع مطالبته إياه بإبطال الصلح ، إلا بإقرار صادر من الطرف الأول أو بيمين وجهت إليه فنكل أو بدليل داخلي من عبارات عقد الصلح ذاته أما إذا كان بطلان السند هو ذاته محل الصلح ، بأن كان أحد الطرفين يتمسك بصحة السند والآخر يتمسك ببطلانه ، فتصالحا ، فإن الصلح يكون صحيحاً.
وما قدمناه – فيما عد حصر أدلة الإثبات – مستفادة من القواعد العامة . فيؤخذ به دون حاجة إلى النص المحذوف
وكانت المادة 749 من المشروع التمهيدي تنص على أن
\" يكون الصلح قابلاً للبطلان إذا بنى على أوراق ثبت بعد ذلك أنها مزورة \".
ذلك أن من قبل الصلح بناء على أوراق كان يعتقد وقت الصلح أنها صحيحة ،ثم تبين بعد ذلك أنها مزورة ، يكون قد وقع في الغلط جوهري في الشيء أو في الباعث كما في الحالة السابقة ،ومن ثم يجوز له إبطال الصلح للغلط.
بل يجوز له أن يطلب إبطال الصلح للتدليس إذا ثبت أن المتعاقد الآخر هو الذي زور هذه الأوراق أو اشترك في تزويرها أو كان عالماً بهذا التزوير وأخفاه عن المتعاقد الآخر وما قدمناه مستفاد أيضاً من القواعد العامة ، فيؤخذ به دون حاجة إلى النص المحذوف
وكانت المادة 750 من المشروع التمهيدي تنص على أن
\" يكون الصلح قابلاًِ للبطلان إذا حسم نزاعاً سبق أن صدر بشأنه حكم نهائي ، وكان الطرفان أو أحدهما يجهل صدور هذا الحكم ذلك أن الصلح إنما جعل لحسم النزاع ، والنزاع سق حسمه بالحكم النهائي الذي صدر فيه ، فوقع الطرف الذي يجهل ذلك في غلط جوهري في الباعث ، ومن ثم جاز له أن يطلب إبطال الصلح للغلط.
والأدق أن يقال في هذا الصدد أن الصلح باطل ، وليس قابلاً للإبطال فحسب ، لأن أحد مقومات الصلح وهو النزاع قد انعدم ، فلا يكون الصلح قائماً.
وما قدمناه هنا أيضاً مستفاد من القواعد العامة ، فيؤخذ به دون حاجة إلى النص المحذوف
وكانت المادة 751 من المشروع التمهيدي تنص على ما يأتي :
\" 1 - إذا تناول الصلح جميع المنازعات القائمة بين الطرفين بوجه عام ، ثم ظهرت بعد ذلك أوراق لم تكن معروفة وقت الصلح ، فلا يكون ذلك سبباً في بطلان العقد ، ما لم تكن هذه الأوراق قد أخفيت وكان ذلك بفعل أحد المتعاقدين . 2 - أما إذا لم يتناول الصلح إلا نزاعاً معيناً ، وظهرت بعد ذلك أوراق تثبت أن أحد المتعاقدين لم يكن له حق ما فيما يدعيه ، فإن الصلح يكون باطلاً \".
ففي القرض الأول ، حيث يتناول الصلح جميع المنازعات القائمة بين الطرفين ، قصد بالصلح تسوية الموقف بوجه عام ، فلا يكون ظهور أوراق لم تكن معروفة وقت الصلح بذي بال ، لأن الصلح إنما قصد به حسم جميع المنازعات المتعلقة بما ظهر من أوراق وما لم يظهر . ولكن إذا كانت الأوراق التي ظهرت فيما بعد قد أخفيت بفعل أحد المتعاقدين ، كان هذا تدليساً منه ، وجاز للمتعاقد الآخر أن يطلب إبطال الصلح للتدليس لا للغلط وفي الفرض الثاني ، حيث تناول الصلح نزاعاً معيناً بالذات ،فإن المقصود من الصلح ليس تسوية الموقف بوجه عام بين الطرفين ، بل حسم هذا النزاع . فإذا ظهرت بعد الصلح أوراق تثبت أن أحد المتعاقدين لم يكن له حق ما فيما يدعيه ، ولم يكن المتعاقد الآخر يعلم بهذه الأوراق ، فإنه يكون قد وقع في غلط جوهري في الشيء أو في الباعث ، شأنه في ذلك شأن من قبل الصلح بناء على أوراق مزورة ، ومن ثم يجوز له إبطال الصلح للغلط فإذا كان المتعاقد الآخر هو الذي أخفي هذا الأوراق أو اشترك في إخفائها ، جاز طلب إبطال الصلح للتدليس
وما قدمناه مستفاد أيضاً من القواعد العامة ، فيؤخذ به دون حاجة إلى النص المحذوف
عدم تجزئة الصلح عند بطلانه
نص قانوني :
تنص المادة 557 من التقنين المدني على ما يأتي :
1 - الصلح لا يتجزأ ، فبطلان جزء منه يقتضي بطلان العقد كله .
2 - على أن هذا الحكم لا يسري إذا تبين من عبارات العقد ، أو من الظروف ، أن المتعاقدين قد اتفقا على أن أجزاء العقد مستقلة بعضها عن بعض \"
وعدم تجزئة الصلح عند بطلانه ليس مقصوراً على البطلان بسبب الغلط ، بل هو يشمل جميع وجوه البطلان . فقد يكون الصلح قابلاً فلإبطال لنقص الأهلية أو للتدليس أو للإكراه أو للاستغلال ، وقد يكون الصلح باطلاً لعدم مشروعية المحل أو عدم مشروعية السبب ، فأيا كان السبب الإبطال أو البطلان فإن الصلح إذا أبطل أو قضي ببطلانه ، وكان يشتمل على أكثر من أمر وأحد ، فالأصل أن بطلان جزء منه يقتضي بطلان جميع الأجزاء.
ولكن هذه القاعدة ليست من النظام العام ، فيجوز أن تتجه نية المتعاقدين ، صراحة أو ضمناً ، إلى اعتبار أجزاء الصلح بعضها مستقلاً عن بعض ، فإذا بطل جزء منه ، بقيت الأجزاء الأخرى قائمة لأنها مستقلة عن الجزء الباطل ، وبذلك يتجزأ الصلح طبقاً لإدارة المتعاقدين
فإذا تصالح شخص على أرض ومنزل ، ثم ظهر بعد ذلك أن هناك سندات مزورة تتعلق بالأرض هي التي دفعت المتصالح إلى الصلح عليها ، يطل الصلح في الأرض والمنزل معاً ، إلا إذا تبين من عبارات الصلح أو من الظروف أن المتعاقدين قد توافقا على أن أجزاء العقد مستقلة بعضها عن بعض ، وان الصلح قد تم على الأرض وعلى المنزل على أساس استقلال كل منهما عن الآخر
وإذا تم الصلح بين عدة أطراف بينهم قاصر ، وطلب القاصر إبطال الصلح لنقص الأهلية فأبطل ، فإن الصلح يبطل أيضاً بالنسبة إلى من بلغوا سن الرشد ، ما لم يكن هؤلاء قد قصدوا أن يكون الصلح بالنسبة إليهم مستقلاً عنه بالنسبة إلى القاصر ، فيسقط الصلح بالنسبة إلى القاصر ويبقى قائماً بالنسبة إليهم . فإذا أصيب ثلاثة في حادثة واحدة ، وكان أحدهم قاصراً ، وتصالح الثلاثة مع المسئول على المبلغ معين يتقاسمونه بالتساوي ، ثم طلب القاصر إبطال الصلح ، أبطل بالنسبة إليه وحده ، وبقى بالنسبة إلى الاثنين الآخرين ، لأن الظروف يستخلص منها أن صلح هذين الاثنين ليس مرتبطاً بصلح القاصر
وإذا تم الصلح بين الجاني والمجني عليه على مبلغ معين من المال يعطيه الأول للثاني في مقابل أن ينزل المجني عليه من الدعوى الجنائية والدعوى المدنية ، وكان المقصود من الصلح ربط الدعويين إحداهما بالأخرى والنزول عنهما معاً ، كان الصلح باطلاً فيما يتعلق بالدعوى الجنائية لمخالفته للنظام العام ، ويقسط أيضاً فيما يتعلق بالدعوى المدنية لارتباط هذا الجزء بالجزء الأول . أما إذا تبين أن قصد الطرفين لم يكن ربط الدعويين إحداهما بالأخرى ، وان جزءاً معيناً من المال خصص للنزول عن الدعوى المدنية المستقلة عن الدعوى الجنائية ، بطل الصلح فيما يتعلق بالدعوى الجنائية ، وبقى قائماً فيما يتعلق بالدعوى المدنية.
المحل والسبب في عقد الصلح
المحل في عقد الصلح
وجوب توافر الشروط العامة في المحل
نص القانوني :
الصلح كما قدمنا هو حسم نزاع عن طريق التضحية من الجانبين كل بجزء من ادعائه . فيكون محل الصلح إذن هو هذا الحق المتنازع فيه ، ونزول كل من الطرفين عن جزء مما يدعيه في هذا الحق . وقد يختص ، بموجب الصلح ، أحد الطرفين بكل الحق في مقابل مال يؤديه للطرف الآخر ، ويكون هذا المال هو بدل الصلح. فيدخل بدل الصلح ليكون هو أيضاً محل الصلح .
وأيا كان محل الصلح ، فإنه يجب أن تتوافر فيه الشروط التي يجب توافرها في المحل بوجه عام .فيجب أن يكون موجوداً ، ممكناً ، معيناً أو قابلاً للتعيين. ويجب بوجه خاص أن يكون مشروعاً ، فلا يجوز أن يكون مخالفاً للنظام العام .
وتنص المادة 551 من التقنين المدني في هذا الصدد على ما يأتي :
\" لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ، ولكن يجوز الصلح على المصالح المالية التي تترتب على الحالة الشخصية أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائم \"
بطلان الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والأهلية
الحالة الشخصية للإنسان من النظام العام ، فليس لأحد باتفاق خاص أن يعدل من أحكامها . وكذلك الأهلية من النظام العام ، وقد نصت المادة 148 مدني على انه
\" ليس لأحد النزول عن أهليته ولا التعديل في أحكامها \" .
ويترتب على ذلك أنه لا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالأهلية . فلا يجوز أن يتصالح شخص من آخر على بنوته منه نفي أو بإثبات ، أو على صحة الزواج أو بطلانه ، أو على الإقرار بالجنسية أو نفيها ، أو على تعديل أحكام الولاية والوصاية والقوامة ، أو على حق الحضانة كما لا يجوز الصلح على الأهلية ، ومن كان غير أهل لا يجوز له أن يصالح غيره على أنه أهل ، أو كان أهلا ً لا يجوز له بالصلح النزول عن أهليته ، ولا يجوز الاتفاق صلحاً على التعديل من أحكام الأهلية .
ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التي تترتب على الحالة الشخصية.
فيجوز للمطلقة أن تنزل عن مؤخر صداقها وعن نفقة العدة . ويجوز لمن له حق النفقة على غيره أن ينزل عما يستحقه من نفقة مدة معينة ، لا أن ينزل عن حق النفقة ذاته . ويجوز للوارث أن يتخارج مع بقية الورثة على نصيبه في الميراث ، لا أن يصالح على صفته كوارث
ويجوز الصلح كذلك على المصالح المالية التي تترتب على الأهلية فيجوز للقاصر بعد بلوغه سن الرشد أن يصالح من تعاقد معه وهو قاصر على إجازة العقد بشروط معينة .
بطلان الصلح على الجريمة :
وإذا ارتكب شخص جريمة ، فلا يجوز له أن يصالح عليها ، لا مع النيابة العامة ولا مع المجني عليه ، لأن الدعوى الجنائية من حق المجتمع وهي من النظام العام فلا يجوز الصلح عليها.
ولكن يجوز الصلح على الحقوق المالية التي تنشأ من ارتكاب الجريمة ، فيجوز الصلح على حق التعويض المدني . فإذا تصالح من ارتكب الجريمة مع المجني عليه على التعويض عن الضرر الذي أصاب الثاني ، لم يكن لهذا أن يطالب بالتعويض بعد هذا الصلح ، ولم يجز له أن يدعي مدنياً في الدعوى الجنائية المرفوعة على من ارتكب الجريمة ، ولا أن يرفع دعوى مدنية مستقلة بالتعويض
ولكن إذا اتفق شخص مع آخر على أن يسحب شكوى جنائية قدمها ضده في مقابل مبلغ من المال ، لم يكن هذا صلحا ً على التعويض المدني بل صلحاً على حق الشكوى الجنائية ، وهذا الحق يدخل ضمن الدعوى الجنائية ، فيكون الصلح باطلاً.
كذلك الصلح بين الدائن والمدين المحجوز عليه بعد تبديد المنقولات المحجوز عليها لا أثر له في الدعوى الجنائية الناشئة عن التبديد ، وإنما مقصورة على العلاقة المدنية ما بين الدائن والمدين
وإذا جاز الصلح بين المسئول والمجني عليه على التعويض المدني ، فإنه لا يجوز الصلح فيما بين المسئولين المتعددين على تحديد مسئولية كل منهم في مواجهة المجني عليه ، فتحدد هذه المسئولية من النظام العام ولا يجوز الصلح عليها
بطلاق الصلح على مسائل أخرى من النظام العام
ولا يجوز الصلح على الضرائب والرسوم المستحقة إذا كان الحق في تحصيلها مقرراً بصفة نهائية وليس محلاُ للنزاع ، وإنما يجوز الاتفاق على تقسيطها.
أما إذا كان الحق ذاته محلاً للنزاع ،جاز الصلح ، فيجوز الصلح على الرسوم الاختيارية التي تحصلها المجالس البلدية.
ولا يجوز الصلح على الأحكام المتعلقة بإيجار الأماكن ، فلا يجوز أن يتفق المستأجر مع المؤجر صلحاً على ان يدفعه له أجرة أكثر من الحد الأقصى المقرر قانوناً للأماكن ، وله أن يسترد ما دفعه زائداً . ولا يجوز الصلح على المسائل المتعلقة بقانون الإصلاح الزراعي فيما يتعلق بتعيين الحد الأقصى لأجرة الأراضي الزراعية .
ولا يجوز الصلح على أحكام القانون المتعلق بإصابات العمل . فإذا أصيب عامل واستحق تعويضاً بناء على هذا القانون ، لم يجز الصلح على هذا الحق إذ يعتبر من النظام العام . كذلك لا يجوز الصلح في كثير من المسائل المتعلقة بعقد العمل الفردي ، وهي المسائل التي تعتبر من النظام العام .
ولا يجوز الصلح على الفوائد الربوية ، فإذا تصالح المدين مع الدائن على أن يدفع له فوائد أكثر من الحد الأقصى المسموح به ، كان هذا الصلح باطلاً ، وجاز للمدين أن يسترد ما دفعه زائداً
ولا يجوز الصلح على الأموال العامة للدولة ،فهذه تخرج عن التعامل
ولا يجوز الصلح على بطلان التصرفات الراجع الى النظام العام ، فلا يجوز الصلح على دين قمار أو دين سببه مخالف للآداب أو تعامل في تركة مستقبلة . لكن يجوز الصلح على إجازة عقد قابل للإبطال كما قدمنا .
السبب في عقد الصلح
السبب بالمعنى التقليدي :
يذهب أنصار النظرية التقليدية في السبب الى ان السبب في عقد الصلح هو الغرض المباشر الذي من أجله التزام المدين ، فيكون سبب التزام كل متصالح هو نزول المتصالح الآخر عن جزء من ادعائه . وعلى هذا الوجه يختلط السبب بالمحل في عقد الصلح اختلاطاً تاماً
ومن الفقهاء من يجعل السبب في عقد الصلح هو حسم نزاع قائم أو محتمل ، فإذا لم يكن هناك نزاع ، أو كان النزاع قد حسمه حكم نهائي ، فالصلح يكون باطلاً لانعدام السبب.
ويعتبر هؤلاء الفقهاء وجود النزاع هو السبب الفني للصلح ، يميزه عن غيره من العقود ، ونحن نرى أن وجود نزاع بين المتصالحين هو من مقومات الصلح وليس سبباً له ، فالصلح لا يقع إلا على نزاع قائم أو محتمل وإلا لم يكن العقد صلحاً ومن ثم يكون النزاع محلاً لعقد الصلح لا سبباً له ، والأدق أن يقال أن محل الصلح هو الحق المتنازع فيه.
السبب بالمعنى الحديث :
والصحيح في نظرنا أن السبب في عقد الصلح هو السبب الذي تقول به النظرية الحديثة ، وهو الباعث الدافع للمتصالحين على إبرام الصلح .
فهناك من يدفعه إلى الصلح خشيته أن يخسر دعواه ، أو عزوفه عن التقاضي بما يستتبع من إجراءات طويلة ومصروفات كثيرة ، أو خوفه من العلانية والتشهير . وهناك من يكون الدافع له على الصلح الإبقاء على صلة الرحم ، أو على صداقة قديمة ، أو الحرص على استبقاء عميل له مصلحة في استبقائه . وكل هذه البواعث يكون مشروعاً .
أما الصلح الذي يكون الدافع إليه سبباً غير مشروع ، فإنه يكون باطلاً . ومن ثم إذا صالح شخص امرأة للمحافظة على علاقة بها آثمة ، أو صالح شخص آخر على نزاع متعلق بإيجار دار حتى يتمكن من إدارتها للعهارة ، أو حتى يتمكن من إدارتها للمقامرة ، فكل هذه البواعث غير مشروعة ، ومتى كان الطرف الآخر على علم بها فإن الصلح يكون باطلاً لعدم مشروعية السبب
آثار الصلح
الصلح مجسم النزاع وله أثر كاشف نسبي :أثر الصلح هو حسم النزاع الذي وقع عليه : والصلح في الأصل يكشف عن الحقوق لا ينشئها ، وأثره نسبي بالنسبة إلى الأشخاص وبالنسبة إلى السبب .
فتتكلم في موضوعين :
( 1 ) حسم النزاع
( 2 ) الأثر الكاشف والأثر النسبي .
حسم النزاع
كيف ينحسم النزاع بالصلح وطرق الالتزام بما تم الصلح عليه : إذا أبرم صلح بين طرفين ، فإن هذا الصلح يحسم النزاع بينهما عن طريق انقضاء الحقوق والادعاءات التي نزل عنها كل من الطرفين . ويستطيع كل من الطرفين أن يلزم الآخر بما تم عليه الصلح ، أو يطلب فسخ الصلح إذا لم يقم الطرف الآخر بما التزم به .
فنبحث إذن مسألتين :
( 1 ) كيف ينحسم النزاع بالصلح .
( 2 ) طرق الإلزام بالصلح .
كيف ينحسم النزاع بالصلح
انقضاء الحقوق والادعاءات التي نزل عنها كل من الطرفين مع تفسير التنازل طيفاً : ينحسم النزاع بالصلح بأن تنقضي الحقوق والادعاءات التي نزل عنها كل من الطرفين ، على أن يفسر هذا التنازل تفسيراً ضيقاً .
انقضاء الحقوق والادعاءات التي نزل عنها كل من الطرفين
377 - النصوص القانونية : تنص المادة 553 من التقنين المدني على ما يأتي :
\" 1 - تنحسم بالصلح المنازعات التي تناولها \" .
\" 2 - ويترتب عليه انقضاء الحقوق والادعاءات التي نزل عنها أي من المتعاقدين نزولاً نهائياً \"
ولا مقابل لهذا النص في التقنين المدني السابق ، ولكن النص ليس إلا تطبيقاً لمقتضى عقد الصلح .
ويقابل في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري م 521 - وفي التقنين المدني الليبي م 552 - وفي التقنين المدني العراقي م 712 - 715 - وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 1041
ويتبين من النص السالف الذكر أن الصلح له أثران : ( 1 ) انقضاء ما نزل عنه كل من المتصالحين من ادعاءاته . ويترتب على انقضاء ادعاء كل منهما أن يخلص للطرف الآخر ما نزل عنه الطرف الأول .
فللصلح إذن أثر انقضاء وأثر تثبيت.
أثر الانقضاء :
إذا تنازع شخصان على ملكية دار وأرض مثلا ، ثم تصالحا على أن تكون الدار لأحدهما والأرض للأخر ، فهذا الصلح عقد ملزم للجانبين . يلزم من خلصت له الدار أن ينزل عن ادعائه في ملكية الأرض ، ويلزم من خلصت له الأرض أن ينزل عن ادعائه في ملكية الدار .
فلا يجوز لمن خلصت له الدار أن يعود من جديد ينازع الطرف الآخر في ملكية الأرض ، وإذا عاد إلى هذا النزاع جاز للطرف الآخر أن يدفع بالصلح أو أن يطلب فسخه على النحو الذي سنراه . كذلك لا يجوز لمن خلصت له الأرض أن ينازع الطرف الآخر في ملكية الدار ، وإلا دفع هذا بالصلح أو طلب فسخه
أثر التثبيت :
وفي المثل المتقدم للصلح أثر تثبيت كما له أثر انقضاء ، والأثر الأول يترتب حتما على الأثر الثاني .
فمن خلصت له الدار قد تثبتت ملكيته فيها ، إذ نزل الطرف الأول عن ادعائه لهذه الملكية .
ومن خلصت له الأرض قد تثبتت ملكيتها فيها ، هو أيضاً ، إذا نزل الطرف الآخر عن ادعائه لملكيتها .
وسنرى أن أثر التثبيت هذا أثر كاشف ، فلا يعتبر الصلح قد نقل ملكية الدار لمن خلصت له ، ولا ملكية الأرض لمن اختص بها.
وسنرى أيضاً أن التثبيت له أثر نسبي ، فهو مقصور على المحل الذي وقع عليه ، وعلى الطرفين اللذين وقع بينهما ، وعلى السبب الذي وقع من أجله ،
تفسير التنازل تفسيراً ضيقاً
النصوص القانونية :تنص المادة 555 من التقنين المدني على ما يأتي :
\" يجب أن تفسر عبارات التنازل التي يتضمنها الصلح تفسيراً ضيقاً ، وأيا كانت تلك العبارات فإن التنازل لا ينصب إلا على الحقوق التي كانت وحدها بصفة جلية محلاً للنزاع الذي حسمه الصلح \"
ويقابل هذا النص في التقنين المدني السابق المادة 534 / 656
ويقابل في التقنينات العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري م 523 - وفي التقنين المدني الليبي م 554 - ولا مقابل له في التقنين المدني العراقي – ويقابل في تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 1044
قاضي الموضوع هو الذي يفسر الصلح :
وقاضي الموضوع هو الذي يفسر عقد الصلح ، شأن الصلح في ذلك شأن غيره من العقود ولا يخضع قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض في التفسير ، ما دام يستند في تفسيره إلى أسباب سائغة ، وما دام لم مسخ العقد ، وإلا نقض حكمه.
ويقدر قاضي الموضوع بوجه خاص ما إذا كان الصلح قابلا للتجزئة تبعاً لقصد العاقدين ، إذ الأصل في الصلح كما قدمنا أنه غير قابل للتجزئة ما لم يتبين من عبارات العقد أو من الظروف أن المتعاقدين قد اتفقا على أن أجزاء العقد مستقلة بعضها عن بعض ( 557 / 2 مدني ) ، وقد تقدم بيان ذلك
على أنه لما كان الصلح يحسم نزاعاً معيناً بين طرفين عن طريق نزول كل منهما عن جزء من ادعائه ، فإن هذا النزول المتبادل يجب أن يفسر تفسيراً ضيقاً ، ويجب في الوقت ذاته أن يكون أثر الصلح مقصوراً على النزاع الذي تناوله
التفسير الضيق لعقد الصلح :
تنازل المتصالح عن جزء من ادعائه يجب أن يفسر تفسيراً ضيقاً ، شأن التنازل في الصلح في هذا التفسير الضيق شأن كل تنازل . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : \" ويجب أن تفسر عبارات التنازل التي يتضمنها الصلح بمعناها الضيق ، فإذا تضمن الصلح تنازلاً عن الفوائد الدين مثلاً ، فسر التنازل بأنه مقصور على ما استحق منها على ما سيستحق \"
وإذا تصالح أحد الورثة مع الورثة الآخرين على استحقاق في التركة ، وجب أن يفسر الصلح على أن الوارث إنما تصالح على استحقاقه باعتباره وارثاً . فإذا ظهر بعد ذلك أن المورث قد أوصى له بمال في التركة ، فإن الصلح لا يتناول هذه الوصية ، وللوارث أن يرجع بالموصي به على التركة ، ولا يحتج عليه بالصلح .
وإذا تصالح الشريك مع شركائه على ما يستحق من أرباح في الشركة ، فإن هذا الصلح لا يشمل إلا ما استحقه فعلاً من أرباح ، لا ما قد يستحقه في المستقبل .
وإذا تصالح المضرور مع المسئول على التعويض المستحق له بسبب الإصابة ، فإن الصلح يجب هنا أيضاً أن يفسر تفسيراً ضيقاً ، فلا يشتمل إلا الإصابة التي كانت ظاهرة وقت الصلح ، فإذا ظهرت مضاعفات بعد ذلك ، فتولد عن الإصابة عاهة مستديمة مثلاُ أو مات المصاب من أثر الإصابة ، فإن الصلح لا يكون قد تناول شيئاً من ذلك ، وللمضرور أو لوثته من بعده أن يرجع بتعويض آخر على المسئول بسبب ما جد من الضرر ، ولا يحتج عليه بالصلح السابق. وقد سبق أن تناولنا هذه المسألة ، وقلنا إنه حتى لو تصالح المضرور مع المسئول على جميع الضرر الذي يحدث له فإن ذلك لا يمنع من أن يكون المضرور قد وقع في غلط جوهري في شأن هذا الضرر ، ولم يكن يتوقع أن الإصابة ستؤدي إلى عاهة مستديمة أو تقضى إلى موته ، ومن ثم يجوز له أو لورثته أن يطلب إبطال الصلح للغلط . وحتى إذا نزل المصاب في الصلح عن حقه في المطالبة بأي تعويض إضافي ، فإن كل لا يكفي لافتراض إجازة لنتائج هذا الغلط الجوهري ، لأن الإجازة الصادرة ممن وقع في غلط لا تصح قبل أن يكشف عن هذا الغلط
الأثر النسبي للمصلح فيما يتعلق بالمحل :
ومما يترتب على تفسير الصلح تفسيراً ضيقاً أنه يجب أن يكون أثر الصلح مقصوراً على النزاع الذي تناوله ، دون أن يمتد إلى أي شيء آخر
على أن هذا الأثر النسبي هو أثر العقد بوجه عام ، فالعقد يقتصر أثره على من كان طرفاً فيه وعلى المحل الذي تناوله . ولكن الصلح في هذا الصدد أكثر بروزاً ، لأن القاعدة فيه أن يكون تفسيره ضيقاً . فإذا تصالح وارث مع بقية الورثة على ميراث اقتصر الأثر على الميراث الذي تناوله الصلح ، ولا يتناول إلا الوصية الذي وقع النزاع بشأنها فلا يشمل وصية أخرى للموصى له تظهر بعد ذلك
وهذا الأثر النسبي للصلح فيما يتعلق بالمحل يجعل الصلح كقوة الأمر المقضي في شروطه ، فلا يحتج بالصلح إلا في نزاع اتحد فيه المحل والسبب والخصوم . وسنرى فيما يلي ي ، عند الكلام في الأثر النسبي للصلح ، وجوب اتحاد السبب والخصوم ،كما رأينا هنا وجوب اتحاد المحل .
طرق الإلزام بالصلح
طريقان : إذا أبرم الصلح بين طرفين ، استطاع كل طرف أن يلزم الآخر بهذا الصلح ، فيمنعه من تجديد النزاع عن طريق الدفع بالصلح . وقد يوضع في العقد شرط جزائي يوقع على من يخل بالتزامه بمقتضى عقد الصلح أو يرجع إلى النزاع الذي انحسم .
كما يجوز ، إذا أخل أحد المتصالحين بالتزاماته في الصلح ، أن يطلب المتصالح الآخر فسخ العقد ، إذ الصلح عقد ملزم للجانبين كما قدمنا فإذا أخل أحد المتعاقدين بالتزاماته جاز للأخر طلب الفسخ .
الدفع بالصلح والشرط الجزائي
الدفع بالصلح :
إذا انحسم النزاع بالصلح ، لم يجز لأي من المتصالحين أن يجدد هذا النزاع ، لا بإقامة دعوى به ، ولا بالمضي في الدعوى التي كنت مرفوعة ، ولا بتجديد هذه الدعوى ويستطيع المتصالح الآخر أن يدفع بالصلح الدعوى المقامة أو المطلوب المضي فيها أو المجددة
وإذا كانت الدعوى مرفوع ة بين خصمين ، واصطلحا ، انتهت الدعوى بالصلح . ولا يصح الاستمرار في إجراءات الدعوى بعد الصلح ،وتنقضي ولاية المحكمة على الخصومة ، فلا يصح أن تحكم فيها حتى بالمصروفات . وإذا لم يكن الخصمان قد اتفقا في الصلح على شيء فيما يتعلق بالمصروفات ، تحمل كل خصم ما صرفه . ولا يجوز بعد الصلح وانقضاء الدعوى أن يتدخل خصم ثالث أضر الصلح بحقوقه ، وليس له إلا أن يرفع دعوى مستقلة بذلك
ولما كان الدفع بالصلح لا يعتبر من النظام العام ، فإنه لا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض ، ولكن يجوز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف
فإذا انقضت الدعوى بالصلح ، لم يبق أمام الخصم الذي له مطعن على هذا الصلح إلا أن يرفع دعوى مستقلة أما م المحكمة المختصة يطعن بها في الصلح ، كأن يطلب إبطاله لغلط في الواقع أو لتدليس أو لإكراه ، أو يطلب بطلانه لعدم مشروعية المحل أو لعدم مشروعية السبب . ويجوز لدائن المتصالح أن يطعن في الصلح بالدعوى إنما وقع تواطؤا ما بين المتصالحين إضراراً بحقوقه ، ولا بد من التواطؤ لأن الصلح من عقود المعاوضة كما قدمنا ، وتسري هنا القواعد العامة المقررة في الدعوى البوليصية
وإذا أراد أحد المتصالحين تنفيذ الصلح وامتنع الآخر ، ولم يكن الصلح في ورقة واجبة التنفيذ ، وجب رفع دعوى مستقلة أمام المحكمة المختصة ، بتنفيذ الصلح أو بفسخه .
الموازنة بين الصلح والحكم :
وهناك شبه بين الصلح والحكم في أن كلا منهما يحسم النزاع ، وفي أن الدفع بالصلح كالدفع بقوة الأمر المقضي يقتضي وحدة الخصوم والمحل والسبب . وقد بالغ التقنين المدني الفرنسي في هذا التشبيه ، حتى أنه نص في المادة 2052 / 1 منه على أن \" الصلح ، فيما بين الطرفين ، له قوة الأمر المقضي \" .
ولكن الصلح مع ذلك يختلف عن الحكم من وجوه عدة
1 - فالصلح قد يقع دون أن تكون هناك دعوى مرفوعة فيحسم نزاعاً محتملاً ، أما الحكم فلا يصدر إلا في دعوى مرفوعة فيحسم نزاعاً قائماً . وإجراءات الحكم مرسومة في قانون المرافعات ، أما الصلح فعقد كسائر العقود يتم بتوافق الإيجاب والقبول كما قدمنا .
2 - والصلح في الأصل لا يقبل التجزئة إلا إذا قصد المتعاقدان أن تكون أجزاؤه مستقلة بعضها عن بعض ، أما الحكم فتمكن تجزئته إذا طعن فيه بوجه من وجوه الطعن ، فيلغي جزء منه ويبقى الجزء الآخر .
3 - والصلح يجوز الطعن فيه بعيب من عيوب الإدارة ، ولكن لا يجوز الطعن فيه لغلط في القانون . أما الحكم فلا يجوز الطعن فيه بعيب من عيوب الإدارة ، ويجوز الطعن فيه لغلط في القانون . وطرق الطعن في الحكم مقررة في قانون المرافعات ، أما الطعن في الصلح فلا يكون إلا بدعوى مستقلة كما سبق القول .
4 - والصلح يتبع في تفسيره الطرق المقررة في تفسير العقود ، أما الحكم فله طرق خاصة في طلب تفسيره بينها قانون المرافعات .
5 - والصلح ، ما لم يكن مصدقاً عليه من المحكمة أو كان في ورقة رسمية ، لا يجوز تنفيذه إلا بدعوى مستقلة . أما الحكم فيجوز تنفيذه طبقاً للقواعد المقررة في قانون المرافعات . ولا يجوز أخذ حق اختصاص بالصلح به متى أصبح حكماً واجب التنفيذ
الشرط الجزائي المقترن بالصلح
ويجوز أن يضع المتصالحان في عقد الصلح شرطاً جزائياً للتأخير في تنفيذه أو كجزء على الطعن فيه فتتبع في ذلك القواعد العامة المقررة في الشرط الجزائي .
فإذا كان الشرط الجزائي مقرراً للتأخير في تنفيذ الصلح ، وتأخر أحد المتصالحين في تنفيذ التزاماته ، جاز للمتصالح الآخر أن يطالبه بالتنفيذ وان يطلب تطبيق الشرط الجزائي للتعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب التأخر في التنفيذ . ولكن إذا ثبت من تأخر في تنفيذ التزاماته أن الطرف الآخر لم يلحقه ضرر بسبب هذا التأخير ، لم يكن الشرط الجزائي مستحقاً ( م 224 / 1 مدني ) . كذلك يجوز للقاضي أن يخفض التعويض المنصوص عليه في الشرط الجزائي ، إذا أثبت من تأخير في تنفيذ الصلح أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة ( م 224 / 2 مدني ) . وليس في كل هذا إلا تطبيق القواعد العامة المقررة في الشرط الجزائي .
وإذا كان الشرط الجزائي مقرراً كجزاء على الطعن في الصلح وطعن أحد المتصالحين فيه ، وجب التربص حتى تعرف نتيجة هذا الطعن . فإذا نجح الطاعن في طعنه وأسقط الصلح ، ولم يكن الشرط الجزائي مستحقاً إذ هو يسقط مع سقوط الصلح . أما إذا لم ينجح الطاعن في طعنه وبقى الصلح قائماً ، فإن الطرف الآخر يستطيع أن يرجع بالشرط الجزائي على الطرف الذي لم ينجح في الطعن ، مع جواز تخفيضه إذا كان مبالغاً فيه على الوجه الذي قدمناه .
وبطلان الصلح يستتبع بطلان الشرط الجزائي كما سبق القول
فسخ الصلح
قول بعدم جواز فسخ الصلح :
الصلح كما قدمنا عقد ملزم للجانبين ، فيرد عليه الفسخ وفقاً للقواعد العامة المقررة في نظرية العقد . ولكن فريقاً من الفقهاء في فرنسا اعترضوا على جواز فسخ الصلح ، وبنوا هذا الاعتراض على أن الصلح كاشف للحق كما سنرى . فإذا تصالح وارثان تنازعا على ميراث دار وأرض ، فاختص أحدهما بالدار $ 578 $ والآخر بالأرض ، اعتبر كل منهما مالكاً لما اختص به لا بعقد الصلح بل بالميراث . فلا يتصور إذن فسخ الصلح في هذه الحالة ، ما دام كل منهما قد أقر للآخر بملكية ما أختص به ، والإقرار إخبار لا إنشاء فلا يتصور فسخه . أما إذا تضمن الصلح نقل حق لا مجرد الكشف عنه ، فعند ذلك يجوز الفسخ . مثل ذلك أن يتنازع شخصان على أرض ، فيتصالحا على أن يختص أحدهما بالأرض في نظير أن يدفع مبلغاً من المال للآخر . فهنا الصلح قد كشف عن حق الأول في الأرض ، ونقل للثاني حقاً في المال بدل الصلح . فإذا لم يف الأول بالتزامه من دفع المال إلى الثاني ، جاز للثاني المطالبة بفسخ الصلح
قول بجواز فسخ الصلح
ولكن الرأي المتقدم لم يسد لا في القضاء ولا في الفقه ، وذهب أكثر الفقهاء إلى جواز المطالبة بفسخ الصلح كما هو الأمر في سائر العقود الملزمة للجانبين.
فإذا نازع المدين الدائن في الدين ، وتصالحا على أن ينزل الدائن عن جزء من الدين ويدفع المدين الباقي ، ثم أخل المدين بالتزامه فلم يدفع الجزء من الدين الذي تعهد بدفعه في عقد الصلح ، جاز للدائن أن يطلب فسخ الصلح ومطالبة المدين بكل الدين. ويجوز للدائن في هذه الحالة أن يطالب بتنفيذ الصلح لا بفسخه ، فيجبر المدين على دفع الجزء من الدين الذي تعهد بدفعه في عقد الصلح ، ولا يستطيع المدين عند ذلك أن ينازع في هذا الجزء فقد حسم النزاع في شأنه بالصلح .أما إذا طلب الدائن فسخ الصلح ففسخ ، جاز للمدين الرجوع إلى النزاع القديم عند مطالبته بكل الدين ، فقد فسخ الصلح الذي كان قد حسم هذا النزاع .
وفسخ الصلح تجري فيه القواعد العامة المقررة في فسخ العقود . فيجوز لأي من المتصالحين ، إذا أخل الآخر بالتزامه ، أن يطلب إما تنفيذ الصلح إذا أمكن التنفيذ عيناً وإما فسخ الصلح . وللقاضي حق تقدير طلب الفسخ ، وله أن يرفضه ويمنح مهلة للطرف المتخلف حتى وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد يتضمن نصاً صريحاً في جواز فسخ الصلح ، فكانت المادة 753 من هذا المشروع تنص على أنه \" إذا لم يقم أحد المتعاقدين بما التزم به في الصلح ، جاز للطرف الآخر أن يطالب بتنفيذ العقد إذا كان هذا ممكناً ، وإلا كان له أن يطلب فسخ العقد ، دون إخلال بحقه في التعويض في الحالتين \". وقد حذفت هذه المادة في لجنة المراجعة \" لأن حكمها مستفاد من القواعد العامة \"
الأثر الكاشف والأثر النسبي للصلح
الأثر الكاشف للصلح
النصوص القانونية : تنص المادة 554 من التقنين المدني على ما يأتي :
\" للصلح أثر كاشف بالنسبة إلى ما تناوله من الحقوق ، ويقتصر هذا الأثر على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها \"
ويقابل هذا النص في التقنين المدني السابق المادة 537 / 659
ويقابل في التقنيات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري م 522 - وفي التقنين المدني الليبي م 553 - وفي التقنين المدني العراقي م 716 - وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني م 1043.
ويخلص من هذا النص أن الأثر الكاشف للصلح مقصور على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها ، فإذا شمل الصلح حقوقاً غير المتنازع فيها – وهو ما يسمى بدل الصلح – كان الأثر ناقلاً لا كاشفاً .
الأثر بالنسبة إلى الحقوق المتنازع فيها
لم يكن التقنين المدني السابق يتضمن نصاً صريحاً في أن للصلح أثراً كاشفاً ، ولكنه نص على نتيجة من نتائج الأثر الكاشف في إبقاء التأمينات التي كانت للحق الذي وقع فيه الصلح ( م 537 / 659 ) ، لأن الأثر الكاشف يمنع من تجديد هذا الحق فتبقى التأمينات التي كانت له . وقد آثر التقنين المدني الجديد أن يورد نصاً صريحاً عاماً في الأثر الكاشف للصلح ، هو نص المادة 554 سالفة الذكر .
ومعنى أن للصلح أثراً كاشفاً بالنسبة إلى الحقوق المتنازع فيها أن الحق الذي يخلص للمتصالح بالصلح يستند إلى مصدره الأول لا إلى الصلح . فإذا اشترى شخصان داراً في الشيوع ، ثم تنازعا على نصيب كل منهما في الدار ، وتصالحا على أن يكون لكل منهما نصيب معين ، اعتبر كل منهما مالكاً لهذا النصيب لا بعقد الصلح بل بعقد البيع الذي اشتريا به الدار في الشيوع ، واستند بذلك حق كل منهما إلى مصدره الأول لا إلى الصلح . وإذا نزل الدائن بعقد عن جزء من الدين المتنازع فيه للمدين على أن يدفع المدين الجزء الباقي ، فهذا الجزء الباقي لا يزال مصدره العقد وهو المصدر الأول فتبقى التأمينات التي كانت للدين . وإذا تنازع شخصان على أرض ومنزل كان يملكهما مورث مشترك ، فاصطلحا على أن يختص أحدهما بالأرض والأخر بالمنزل ، اعتبر كل منهما مالكاً لما اختص به ، لا من وقت الصلح بل من وقت موت المورث ، وأنه قد ملك لا بالصلح بل بالميراث
وتذهب النظرية التقليدية في تعليل هذا الأثر الكاشف إلى أن الصلح هو إقرار من كل من المتصالحين لصاحبه ، والإقرار إخبار لا إنشاء ، فهو يكشف عن الحق لا ينشئه. ولما اعترض على هذه النظرية بأن غرض كل من المتصالحين ليس هو الإقرار لصاحبه ، وإنما هو حسم النزاع بينهما بتنازل كل منهما عن جزء من ادعائه ، رد على هذا الاعتراض بأن هذا التنازل عن الادعاء يفترض فيه أنه إقرار من المتصالح لصاحبه كشف عن الحق ، فيكون الأثر الكاشف للصلح إنما هو محض افتراض.
والنظرية الحديثة في تفسير الأثر الكاشف تذهب إلى أن المتصالح في الواقع من الأمر لا يقر لصاحبه ، وإنما هو ينزل عن حق الدعوى في الجزء من الحق الذي سلم به . فهذا الجزء من الحق قد بقى على وضعه الأول دون أن يتغير ، وإنما الصلح قد حسم النزاع فيه فخلص لصاحبه . ومن ثم يكون للصلح أثران ، فهو قاض على النزاع من حيث خلوص الحق ، وهو كاشف عن الحق من حيث بقاء الحق على وضعه الأول
النتائج التي تترتب على الأثر الكاشف الصلح
ونذكر من النتائج التي تترتب على الأثر الكاشف للصلح ما يأتي :
أولاً : لا يعتبر المتصالح متلقيا الحق المتنازع فيه من المتصالح الآخر ولا يكون خلفاً له في هذا الحق . ومن ثم لا يستطيع في مواجهة الغير أن يستعين بمستندات الطرف الآخر فإذا خلصت لأحد المتصالحين ملكية دار ، ثم نازعه أجنبي غير المتصالح معه في هذه الدار ، لم يستطيع وهو يتمسك بالتقادم في مواجهة هذا الأجنبي أن يضم مدة حيازة المتصالح الآخر إلى مدة حيازته .
ثانياً : ولا يلتزم المتصالح الآخر بضمان الحق المتنازع فيه الذي خلص للمتصالح الأول ، لأنه لم ينقل إليه هذا الحق ، والالتزام بالضمان لا يكون إلا مكملاً للالتزام بنقل الحق. فإذا خلصت ملكية الأرض المتنازع فيها لأحد المتصالحين ، ثم استحق الأرض أجنبي ، لم يجز لمن خلصت له الأرض بالصلح أن يرجع على المتصالح الآخر بضمان الاستحقاق
ثالثاً : وإذا صالح الدائن بعقد المدين على أن ينزل له عن جزء من الدين المتنازع فيه في نظير أن يدفع له لمدين الباقي ، فالدائن لا يزال في الباقي الذي خلص له دائناً بالعقد كما سبق القول . فلم يتجدد الدين بالصلح ، ومن ثم تبقى التأمينات التي كانت للدين المتنازع فيه ضامنة للباقي من الدين الذي خلص للدائن بالصلح. وقد كان المدني السابق يتضمن نصاً صريحاً في هذا المعنى ، فكانت المادة 537 / 659 تنص على أن \" التأمينات التي كانت على الحق الذي وقع فيه الصلح تبقى على حالها للوفاء بالصلح ، ولكن يجوز لمن عليه تلك التأمينات أو لمن يتضرر من بقائها أن يحتج على الدائن بأوجه الدفع التي كانت موجودة في حق الدين قبل وقوع الصلح \" . واحتجاج من عليه التأمينات أو من يتضرر من بقائها ( كالدائن مرتهن ثان ) بأوجه الدفع التي كانت موجودة في حق الدين قبل وقوع الصلح نتيجة طبيعية للأثر النسبي للصلح ، فأثره مقصور على المتصالحين ولا يحتج به على من كفل الدين المتنازع فيه.
رابعاً : إذا وقع الصلح على حق عيني عقاري ، لم يكن تسجيله واجباً فيما بين المتصالحين ، وإنما يجب التسجيل للاحتجاج به على. ذلك أن المادة 10 من قانون الشهر العقاري لا توجب التسجيل في التصرفات الكاشفة عن الحق كالصلح إلا للاحتجاج به على الغير . فإذا تصالح شخص مع آخر على عقار متنازع فيه ، فخلص له العقار ، جاز له أن يحتج بالصلح ولو لم يسجله على المتصالح الآخر ولكن إذا كان المتصالح الآخر قد باع هذا العقار قبل الصلح أو بعده ، لم يجز لمن خلص له العقار بالصلح أن يحتج على المشتري إلا إذا سجل الصلح ، وأيهما – المشتري أو المتصالح الأول – سبق إلى التسجيل فضل على الآخر
خامساً : كذلك إذا وقع الصلح على دين متنازع فيه في ذمة الغير ، فخلص هذا الدين بالصلح لأحد المتصالحين ، لم يعتبر هذا المتصالح متلقياً للدين من المتصالح الآخر ، فلا تراعي هنا الإجراءات الواجبة في حوالة الحق ( ) .
سادساً : لما كان الصلح غير ناقل للحق ، فإنه لا يصلح سبباً صحيحاً للتملك بالتقادم القصير . فلو أن عقاراً متنازعاً عليه فيه بين شخصين خلص لأحدهما بالصلح ، فوضع هذا يده على العقار بحسن نية خمس سنوات ، ثم ظهر مستحق للعقار ، لم يستطع واضع اليد أن يتمسك بالتقادم القصير ، لأن الصلح ليس سبباً صحيحاً إذ هو كاشف عن الحق لا ناقل له ولكن يجوز لواضع اليد أن يتمسك بالتقادم الطويل إذا وضع يده خمس عشرة سنة
سابعاً : إذا خلص عقار لأحد المتنازعين فيه بالصلح ، فإن الصلح وهو كاشف عن الحق لا يفتح الباب للأخذ بالشفعة ، فلا يجوز لجار أو شريك في الشيوع أن يطلب أخذ العقار بالشفعة . هذا إلى أن الشفعة لا تجوز إلا في البيع ، فإذا أثبت الشفيع أن الصلح يخفي بيعاً جاز له الأخذ بالشفعة .
الأثر الناقل بالنسبة إلى الحقوق غير المتنازع فيها :
وقد يتضمن الصلح حقوقاً غير متنازع فيها ، وفي هذه الحالة ينشئ الصلح التزامات أو ينقل حقوقاً ، فيكون له أثر منشئ أو ناقل ، لا أثر كاشف .
مثل الصورة التي ينشئ فيها الصلح التزاماً أن يتنازع شخصان على أرض ومنزل ، فيتصالحا على أن يختص أحدهما بالأرض والآخر بالمنزل . فإذا كان المنزل قيمته أكبر من الأرض ، واقتضى الأمر أن يدفع من اختص بالمنزل معدلاً ، مبلغاً من النقود يلتزم بدفعها لمن اختص بالأرض ، فهنا الصلح قد أنشأ التزاماً في ذمة من اختص بالمنزل هو دفع المعدل ، وهو لم يدخل في الحقوق المتنازع فيها . وقد يتصالح شخصان على حق متنازع فيه ، فيخلص الحق لأحدهما في نظير أن يلتزم بدفع مبلغ من النقود للآخر ،فهنا أيضاً قد أنشأ الصلح التزاماً لم يدخل في الحقوق المتنازع فيها . وقد يتصالح الدائن والمدين على دين متنازع فيه بينهما ، فيتفقان على أن ينزل عن هذا الدين في نظير أن يلتزم المدين بدين جديد قيمته أقل من الدين الأصلي ، فهنا قد جدد المدين الدين الأصلي بدين أقل ، ويكون للصلح في هذه الحالة أثر منشئ. ومثل الصورة التي ينقل فيها الصلح حقاً أن يتنازع شخصان على دار ، ويتصالحا على ان يختص أحدهما بالدار في نظير أن يعطي للآخر أرضاً معينة . فهنا الصلح له أثر ناقل بالنسبة إلى الأرض وهي لم تدخل في الحقوق المتنازع عليها . ومن ثم يعتبر من أخذ الأرض خلفاً لمن أخذها منه فيستطيع أن يستعين بمستنداته على دعم حقه في الأرض ، ويلتزم من أعطى الأرض بضمان الاستحقاق ، ويكون الصلح سبباً صحيحاً في التقادم الخمسي ، ويجب تسجيل الصلح لنقل ملكية الأرض بالنسبة إلى الغير وفيما بين المتعاقدين ، وهذه النتائج هي عكس النتائج التي قدمناها للأثر الكاشف
ولكن الصلح في الصور المتقدمين يبقى كاشفاً فيما بتعلق بالحقوق المتنازع فيها كما سبق القول ، فإذا نزل شخص صلحاً عن أرض متنازع فيها للمتصالح الآخر ، في نظير أن يلتزم الآخر للأول بدفع مبلغ من النقود أو أن يعطيه داراً ، فالصلح إذا كان منشئاً بالنسبة إلى الالتزام بدفع المبلغ من النقود ، وناقلاً بالنسبة إلى الدار ، فهو كاشف بالنسبة إلى الأرض لأنها هي الحق المتنازع فيه
الأثر النسبي للصلح
الأثر النسبي بوجه عام :
الصلح ، شأنه في ذلك شأن سائر العقود ، له أثر نسبي . فهو مقصور على المحل الذي وقع عليه ، وعلى الطرفين اللذين وقع بينهما ، وعلى السبب الذي وقع من أجله . وهو في هذا يشبه الحكم ، فإن الحكم لا يكون حجة إلا عند اتحاد المحل والخصوم والسبب . ولكن الأثر النسبي للصلح يرجع إلى أنه عقد ، لا إلى قياسه على الحكم .
الأثر النسبي في المحل – إحالة :
وقد رأينا كيف يكون للصلح أثر نسبي فيما يتعلق بالمحل عند الكلام في تفسير الصلح تفسيراً ضيقاً ، وبينا كيف يجب أن يكون أثر الصلح مقصوراً على النزاع الذي $ 591 $ تناوله . فإذا تصالح موصى له مع الورثة على وصية ، لم يتناول الصلح إلا الوصية الذي وقع النزاع بشأنها ، فلا يشمل وصية أخرى للموصي له تظهر بعد ذلك.
الأثر النسبي في الأشخاص :
كانت المادة 745 من المشروع التمهيدي تنص على أنه \" لا يترتب على الصلح نفع أو ضرر لغير عاقديه ، حتى لو وقع على محل لا يقبل التجزئة \". وقد حذف هذا النص في لجنة المراجعة ، لأن حكمه يستخلص القواعد العامة.
فإذا اصطلح أحد الورثة مع الموصى له على الوصية ، فإن الورثة الآخرين لا يحتجون بهذا الصلح ولا يحتج به عليهم ، وإذا كان الموصي له شخصين بوصية واحدة ، وصالح الوارث أحدهما ، فإن هذا الصلح لا يحتج به الموصي له الآخر ولا يحتج به عليه
وإذا تصالح المصاب مع المسئول ، ثم مات من الإصابة فإن هذا الصلح لا يحتج به على ورثة المصاب فيما يختص بالتعويض المستحق لهم شخصياً بسبب وفاة المصاب ، وإذا تصالح رب العمل مع المقاول ، فإن هذا الصلح لا يحتج به المهندس ، ولا يحتج به عليه
وإذا أمن شخص مسئولية ، فصلح شركة التأمين مع المضرور لا يحتج به على المسئول الذي أمن مسئوليته.
ويستثني من القاعدة المتقدمة الذكر الصلح مع أحد المدينين المتضامنين فقد نصت المادة 294 مدني على أنه \" إذا تصالح الدائن مع أحد المدينين المتضامنين وتضمن الصلح الإبراء من الدين أو براءة الذمة منه بأية وسيلة أخرى ، استفاد منه الباقون . أما إذا كان من شأن هذا الصلح أن يرتب في ذمتهم التزاماً أو يزيد فيما هم ملتزمون به ، فإنه لا ينفذ في حقهم إلا إذا قبلوه \" . فالصلح مع أحد المدينين المتضامنين يجوز إذن أن يحتج به الدائنون المتضامنون الآخرون ،ولكن لا يحتج به عليهم .وكالمدينين المتضامنين الدائنون المتضامنون ، فالصلح مع أحد الدائنين المتضامنين يجوز أن يحتج به الدائنون المتضامنون الآخرون ، ولكن لا يحتج به عليهم . كذلك الصلح مع المدين الأصلي يجوز أن يحتج به الكفيل ، ولكن لا يجوز أن يحتج به عليه ، أما الصلح مع أحد المدينين في دين غير قابل للانقسام ، فلا يحتج به الدائنون الآخرون ، ولا يحتج به عليهم ، لانعدام النيابة التبادلية هنا سواء فيما يضر أو فيما يفيد.
وإذا صالح الوارث الظاهر على الميراث ، فإن صلحه يسرى في حق الوارث الحقيقي ، شأن سائر تصرفات الوارث الظاهر
الأثر النسبي في السبب :
كانت المادة 743 من المشروع التمهيدي تنص على أنه \" من تصالح على حق له أو على حق تلقاه بناء على سبب معين ، ثم تلقى هذا الحق ذاته من شخص آخر أو بناء على سبب آخر ، لا يكون هذا الحق الذي كسبه من جديد مرتبطاً بالصلح السابق \" . وقد حذف هذا النص في لجنة المراجعة ، لأن حكمه يستخلص من القواعد العامة
وهنا الأثر النسبي للصلح يتعلق بالسبب . فإذا نازع الوارث في صحة وصية صادرة لشخصين ، ثم تصالح مع أحدهما ، فقد قدمنا أن هذا الصلح لا يحتج به الموصي له الآخر ولا يحتج به عليه. وهذه هي النسبية في الأشخاص . فإذا فرض أن الموصى له الآخر قد مات وورثه الموصى له الأول الذي قبل الصلح ، فإنه يجوز في هذه الحالة للموصى له الأول أن يعود إلى النزاع في الوصية فيما يتعلق بحقه في الإرث من الموصى له الثاني ، ولا يستطيع الوارث أن يحتج عليه بالصلح بالرغم من وحدة المحل ( وهو الوصية ) ووحدة الأشخاص ( وهما الوارث والموصي له الأول ) .ذلك لأن السبب لم يتحد ، فالموصي له الأول تقيد بالصلح كموصى له ، وهو الآن يتقدم بسبب جديد هو الميراث من الموصي له الآخر ومن ثم لا يتقيد بالصلح لاختلاف السبب.
كذلك إذا صالح شخص وصية السابق على حساب الوصاية ولم يطعن في هذا الصلح ، أو صالحه بعد انقضاء سنة من تاريخ تقديمه ، فإنه يكون مقيداً بهذا الصلح . فإذا كان له أخ لم يصالح الوصي مثله ، ومات هذا الأخ فورثه هو ، فإنه لا يكون مقيداً بالصلح فيما يتعلق بحقه في الإرث من أخيه ، ويستطيع أن يعود إلى مناقشة الحساب مع الوصي في شأن هذا الحق . ذلك لأن السبب هنا قد اختلف ، فهو قد صالح الوصي قاصراً الصلح على ما يخصه هو من حساب الوصاية ، ولا يستطيع الوصي أن يحتج عليه بصلح تقدم فيه بسبب حسابه الشخصي وهو الآن يتقدم بسبب آخر هو الميراث من أخيه .
لا يجوز للمحامي التصالح على حقوق موكله
ولابد من وكالة خاصة في الصلح ، فلا يجوز للمحامي أن يصالح على حقوق موكله ما لم يكن الصلح منصوصاً عليه في عقد التوكيل . وتقول الفقرة الأولى من المادة 702 مدني : \" لابد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة ، ووجه خاص في البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء \" . على أنه إذا كان هناك توكيل عام في أعمال الإدارة ، جاز أن يشمل هذا التوكيل الصلح المتعلق بأعمال الإدارة دون غيرها