تقديم عن المنقول والعقار والحق العينى والشخصى
قسم
المشرع المصرى على غرار المشرع الفرنسى الأشياء الى عقار ومنقول ، وقسم الحقوق
عنهما الى حق عينى وحق شخصى ، وميز بينهما ، وفى هذا البحث نتناول الفرق بين الحق
العينى والحق الشخصى ، والعقار والمنقول ، وأمثلة لكل منهما ، وفى مقال لاحق
نتناول العقار والدعاوى الخاصة به ، ومصدر هذا البحث الوسيط للسنهوري في شرح
القانون المدنى المصرى
تعريف الحق العيني والحق الشخصي
الحق العيني هو سلطة يعطيها القانون ما للشيء من فوائد اقتصادية
أما الحق الشخصي فهو رابطة قانونية
، ما بين شخصين دائن ومدين ، يخول الدائن بموجبها مطالبة المدين بإعطاء شيء أو بالقيام
بعمل أو بالامتناع عن عمله .
محاولة هدم التمييز بتقريب الحق العيني من الحق الشخصي
وعلي رأس من قال بتقريب الحق
العيني من الحق الشخصي برز بلانيول جزء أول سنة 1896 فقرة 2158 - وغالي ديموج ، بعد
بلانيول ، في تقريب الحق العيني من الحق الشخصي إلي حد التسوية بينهما ( ديموج في الأفكار
الأساسية في القانون الخاص ص 405 – ص 443 ) ، إن الحق العيني هو رابطة ما بين الشخص
والشيء ، لأن الشيء إنما يكون محلا العيني يتفق
أيضا مع الحق الشخصي في أنه يشتمل مثله علي عناصر ثلاثة :
هو المالك ، والمدين هم الناس كافة فيما عدا الدائن إذ يجب عليهم جميعا
احترام هذا الحق . فالحقان إذن يتماثلان من حيث الطبيعة والعناصر ، وإنما يختلفان في
شيء غير جوهري ، كما يقول بلانيول ، هو جانب المدين ففي الحق العيني يكون المدين دائما
هم جميع الناس عدا الدائن ، ولهذا يمكن اعتبار الحق العيني حقا شخصيا عاما من حيث المدين
أما في الحق الشخصي فالمدين هو شخص أو أشخاص معينون بالذات . والذي تستبقيه مما قاله
بلانيول أنه من الخطأ أن يقال إن الحق العيني رابطة ما بين الشخص والشيء ، فالرابطة
لا تقوم كما يقول بلانيول إلا بين الشخص والشخص . ولذلك قلنا في تعريف الحق العيني
إنه " سلطة لشخص على شيء " ، ولم نقل إنه " رابطة ما بين شخص وشيء
" . وأما القول بأن الحق العيني هو حق شخص عام من حيث المدين ، فليس هذا هو الذي
يختلف فيه الحق العيني عن الحق الشخصي كما ذهب بلانيول ، إذ الحق الشخصي فيه أيضا هذا
الجانب العام من حيث المدين ، وتلتزم الناس كافة باحترامه واحترام الناس للحقوق ، عينية
كانت أو شخصية ، ليس معناه أن هناك التزاما يقع على عاتق كل منهم بحيث يصح أن يكون
هذا الالتزام دينا في الذمة يحسب بين عناصرها السلبية ( كاربونييه ص 40) . فإذا أخل
أحد بهذا الالتزام ، بأن حرض المدين مثلا على أن يمتنع عن القيام بما تعهد به ، كان
مسئولا ووجب عليه التعويض . والذي يخالف فيه الحق الشخصي الحق العيني أن الحق الشخصي
يزيد علي احلق العيني شيئا جوهريا هو الذي يميزه عنه ، وذلك هو الجانب الخاص من حيث
المدين إلي هذا الجانب العام الذي تقدم ذكره . ففي كل حق شخصي يوجد مدين معين أو مدينون
معينون هم الذين يباشر الدائن سلطته على الشيء محل الحق بوساطتهم ، ولا وجود لهؤلاء
في الحق العيني . وهذا فرق جوهري ما بين الحقين تترتب عليه نتائج هامة سيأتي ذكرها
.
وإذا تعين شخص بالذات يكون قد اعتدي علي الحق العيني ، فإن هذا الشخص يكون مسئولا لا بموجب الحق العيني ذاته ، بل بموجب التزام شخصي تولد عن الخطأ الذي ارتكبه ، ويكون إذن طرفا لا في الحق العيني الموجود من قبل ، بل في الحق الشخصي الذي تولد عن الخطأ
انظر في هذا المعني شفيق شحاته فقرة 13 ص 22 - ص 23 - وقارن بلانيول
وريبير وبيكار 3 فقرة 38 ص 43 - محمد على عرفة فقرة 6 ص 14 )
على أن احترام الناس كافة للحق العيني إنما يكون بعد استكمال هذا الحق
لجميع عناصره ، وقيامه حقا كاملا مستوفيا لجميع مقوماته . فهذا الاحترام إذن ليس عنصراً
من عناصر الحق العيني ، إذ هو لا يوجد كما قدمنا إلا بعد استيفاء الحق العيني لجميع
عناصره . فلا يوجد إذن مدين بالحق العيني هو عنصر من عناصر هذا الحق كما يوجد مدين
في الحق الشخصي هو أحد عناصره ، وحدهما ، وعندئذ يجب على الناس كافة احترام هذا الحق
الذي تكاملت عناصره . أما الحق الشخصي فلا يتكون ولا تتكامل عناصره بوجود صاحب الحق
والشيء محل الحق وحدهما ، بل لابد من عنصر ثالث ينضاف إليهما هو المدين بالحق الشخصي
. فإذا وجد المدين إلي جانب صاحب الحق ( الدائن ) والشيء محل الحق ، فقد تكاملت عناصر
الحق الشخصي ،ووجب هنا أيضاً ، كما في الحق العيني ، علي الناس كافة احترام هذا الحق
، دون أن يكون هذا الاحترام داخلا في تكوين الحق الشخصي إذ هو لم يوجد إلا بعد أن تكون
الحق قرب من هذا المعني كاربونييه ص 40 - أحمد حشمت أبو ستيت ( نقلا عن مذكرات عبد
المعطي خيال غير المطبوعة فقرة 5 ) في نظرية الالتزام سنة 1945ص 10هامش 1 ) .
محاولة هدم التمييز بتقريب الحق الشخصي من الحق العيني
وقد حاول فريق آخر هدم التمييز ما بين الحق العيني والحق الشخصي ، عن طريف تقريب الحق الشخصي من الحق العيني ، وعلى رأس هذا الفريق سالي ولامبير. ويتلخص رأيهما في أن الحق الشخصي هو كالحق العيني عنصر من عناصر الذمة المالية يتصرف فيه صاحبه ، فيبيعه ويهبه ورهنه ويجرى فيه سائر التصرفات . فالحق الشخصي يجب النظر إليه ، لا باعتبار أنه رابطة بين شخصين ، بل باعتبار أنه عنصر مالي ، فتتجرد القمة المالية للحق الشخصي عن شخص الدائن وعن شخص المدين . وبذلك يقرب الحق الشخصي من الحق العيني ، وهذا هو المذهب المادي للالتزام
انظر أيضاً في هذا المعني في فكرة استمرار الشخصية
رسالة من باريس سنة 1902 - في فكرة الذمة المالية في النظرية التقليدية رسالة من ديجون
سنة 1911 - في حوالة الدين لخلف خاص رسالة من ديجون سنة 1928
ولا ينكر علي المذهب المادي للالتزام انتشاره مسايرته للتطور القانوني
الحديث . فهو الذي يسر التسليم بحوالة الدين علي غرار حوالة الحق ، إذ لما كانت العبرة في الحق الشخصي هي بقيمته المادية لا
بالدين والدائن ، أمكن تصور أن تنتقل هذه القيمة المادية من مدين إلي مدين في حوالة
الدين ، كما انتقلت من دائن إلي دائن في حوالة الحق . وأمكن كذلك ، بفضل المذهب المادي
،أن نتصور التزاما يقع عبئاً في مال المدين دون أن يكون هناك دائن يقتضي المدين هذا
العبء وقت وجود الالتزام ، ويكفي أن يوجد الدائن وقت التنفيذ ، كما في الوعد بجائزة
لغير دائن معين وكالسند لحامله وكالاشتراط لمصلحة شخص غير معين .
ولكننا - السنهورى - مع ذلك لا نري المذهب المادي يترتب عليه حتما هدم التميز ما بين الحق العيني والحق الشخصي . " فمن الممكن - كما قلنا في الجزء الأول من الوسيط - أن ينظر إلي الالتزام نظرة مادية باعتبار موضوعه لا باعتبار أشخاصه ، ويكون في هذا تقريب بينه وبين الحق العيني . ولكن ذلك لا ينفي أن هناك فرقا جوهريا ما بين الحقين ، حتى إذا نظر إليهما معا من حيث موضوعهما ، فالدائن في الحق العيني يستعمل سلطته مباشرة علي موضوع الحق دون وسيط بينهما ، بخلاف الحق الشخصي فليس للدائن فيه إلا سلطة غير مباشرة علي الشيء موضوع الحقن ولا يستعمل هذه السلطة إلا بوساطة المدين
" الوسيط 1 فقرة 4 – وانظر كاربونييه ص 40 - ص 41
.بقاء التمييز قائما ما بين الحق العين والحق الشخصي
وبالرغم من المحاولات المتقدمة
، محاولة تقريب الحق العيني من الحق الشخصي من الحق العيني ، فإن التمييز ما بين الحقين
بقي قائما قياما لا شبهة فيه ، وبقي هو المحور الذي تدور عليه تقسيمات القانون المدني
في الأموال . فالقانون المدني لا يزال يقسم الأموال إلي حقوق عينية وحقوق شخصية ، ويميز
تمييزاً دقيقا بين هذه وتلك ، ويعقد فصولا للأولي تنفصل تماما عن الفصول التي يعقدها
للأخرى . وهكذا فعلت كل التقنيات المدنية القديمة والحديثة ، وهكذا فعل التقنين المدني
المصري السابق والجديد . فصاحب الحق العيني يصل مباشرة إلي الشيء محل الحق ، ويستخلص
منه فوائده دون وساطة أحد ، إذ هو ليس في حاجة إلي هذه الوساطة . أما صاحب الحق الشخصي
فلا يصل مباشرة إلي الشيء محل الحق ، وإنما يصل إليه بطريق غير مباشر وبوساطة المدين
. ولا يستطيع أن يستعمل حقه على الشيء إلا إذا توسط المدين بينه وبين هذا الشيء ، فهو
لا يستعمل سلطة مباشرة علي الشيء كما في الحق العيني ، بل يتقاضى حقا من المدين . ونأخذ
مثلا لذلك المنتفع صاحب الحق العيني والمستأجر صاحب الحق الشخصي . فالمنتفع يباشر سلطته
علي الشيء مباشرة على العين المؤجرة وإنما يطالب المؤجر بتمكينه من الانتفاع بالعين
فلا يصل إليها إلا بوساطة المؤجر . والمهم في الحق العيني ليس هو تعين المدين إذ لا
مدين في الحق العيني كما قدمنا ، بل هو تعين الشيء محل الحق إذ لا يمكن أن يترتب حق
عيني إلا على شيء معين بالذات . أما المهم في الحق الشخصي فليس تعيين الشيء محل الحق
إذ يجوز أن يتعلق الحق إذ لا يقوم حق شخصي إلا بمدين معين يترتب في ذمته الالتزام وقت
نشوئه . فيبقي إذن التمييز ما بين الحق العيني والحق الشخصي " قائما ومحتفظا بأهميته . فالحق العيني سلطة مباشرة للشخص على الشيء
، والحق الشخصي رابطة ما بين شخصين . والظاهرة المهمة في الحق العيني هي تحديد الموضوع
، أما في الحق الشخصي فتحديد المدين . ويزيد الحق الشخصي عن الحق العيني عنصرا أساسيا
، هو وجود مدين معين يباشر بوساطته الدائن سلطته على الشيء موضوع الحق " الوسيط
1 فقرة 5 ) . ومن أجل ذلك من عناصر ثلاثة هي الدائن والمدين ومحل الحق ، أما الحق العيني
فيكفي في تكوينه عنصران هما صاحب الحق ومحل الحق ولا يزال الحق الشخصي رابطة فيما بين
شخصين ، " ولا يزال لشخصية الدين والدائن أثر كبير في تكوين الالتزام وتنفيذه
. فقد رأينا أنه لابد من وجود طرفي الالتزام وقت التنفيذ على الأقل . وسنرى أن نية
الطرفين - وهذا شيء نفسي - يؤثر تأثيرا كبيرا في وجو الالتزام صحيحا ، وفي تنفيذه على
الوجه المطلوب والنية هي السبيل الذي تتسرب منه العوامل الخلقية إلي القواعد القانونية
. ونضيف إلي ما تقدم أن شخصية المدين بنوع خاص ضرورية في الالتزام ، لا عند تنفيذه
فحسب ، بل أيضا عند نشوئه ، وهذا ما يعترف به المذهب المادي ذاته " ( الوسيط
1 فقرة 11 )) . ومهما يكن من أمر ، فإن التمييز الذي قام بهذا الوضوح ما بين الحق العيني
والحق الشخصي لم يمنع من اختلاط الحقين أحدهما بالآخر في حالات قليلة ، كما وقع ذلك
فيما يسمى " بالالتزام العيني " ونورد عنه كلمة موجزة .
الالتزام العيني
يحدث في بعض الأحوال أن شخصا يجد نفسه ملزما بأداء عمل معين نحو شخص آخر
، ولكن سبب هذا الالتزام ينحصر في أن المدين هو المالك لعينة معين . فهنا وجد الالتزام
بسبب ملكية العين ، ومن ثم سمي بالالتزام العيني ونورد للإيضاح بعض الأمثلة :
1 - تنص المادة 813 مدني على أن
" لكل مالك أن يجبر جاره
على وضع حدود لأملاكهما المتلاصقة ، وتكون نفقات التحديد شركة بينهما " . فهنا
المالك لأرض تلاصق أرضا يملكها الجار ملتزم نحو هذا الجار ، إذا طلب أن يشارك في وضع
حدود للأرضين المتلاصقتين بحيث يمكن التثبت من حدود كل أرض منهما في الجهة التي فيها
يتلاصقان . ويتحمل مالك الأرض نصف نفقات وضع الحدود المذكورة ، ويتحمل جاره النصف الآخر
. ويلاحظ أن الالتزام الذي في ذمة صاحب الأرض ، من المشاركة في وضع الحدود وفي تحمل
النفقات ، لم يترتب إلا بسبب ملكية هذا الشخص للأرض الملاصقة . فما دام مالكا لهذه
الأرض فهو ملتزم ، فإذا زالت ملكيته بأن تصرف في الأرض مثلا ، فإن الالتزام ينتقل من
ذمته إلى ذمة المالك الجديد . حتى لو مات فآلت الأرض إلى وارث ، فإن الوارث يصبح ملتزما
، لا باعتباره وارثا ، بل باعتباره المالك الجديد للأرض . فالالتزام هنا إذن يدور مع
ملكية الأرض وجودا وعدما ، فهو التزام مصاحب دائما لملكية العين ، ومن ثم فهو التزام
عيني .
2 - تنص المادة 1021 مدني على أنه
" لا يلزم مالك العقار المرتفق
به أن يقوم بأي عمل لمصلحة العقار المترفق ، إلا أن يكون عملا إضافيا يقتضيه استعمال الارتفاق على الوجه المألوف ، مالم يشترط
غير ذلك " .
وتنص المادة 1022 مدني علي أن
" 1 - نفقة الأعمال اللازمة لاستعمال حق الارتفاع والمحافظة عليه
تكون علي مالك العقار المرتفق ما لم يشترط غير ذلك .
2 - فإذا كان مالك العقار المرتفق
به هو المكلف بأن يقوم بتلك الأعمال علي نفقته ، أو بعضه لمالك العقار المرتفق .
3 - وإذا كانت الأعمال نافعة
أيضاً لمالك العقار المرتفق به ، كانت نفقة الصيانة علي الطرفين ، كل بنسبة ما يعود
عليه من الفائدة "
ويستخلص من هذه النصوص
أن مالك العقار المرتفق به لا
يكون ملزما في الأصل بالقيام بأي عمل لمصلحة العقار المرتفق ، ولا بأية نفقة . ومع
ذلك يجوز استثناء أن يكون ملزما :
( أولا ) بالقيام بعمل إضافي يقتضيه استعمال الارتفاق علي الوجه المألوف
ما لم يشترط غير ذلك .
( ثانيا ) بنفقة الأعمال اللازمة
لاستعمال حق الارتفاق والمحافظة عليه ، إذا اشترط عليه مالك العقار المرتفق ذلك وقبل
الشرط .
( ثالثا ) إذا كانت الأعمال نافعة للعقار المرتفق به ، التزم مالك هذا
العقار ، دون شرط ، بالمساهمة في نفقة هذه الأعمال بنسبة ما يعود علي عقاره من الفائدة
.
ففي جميع هذه الأحوال نري أن مالك العقار المرتفق به يلتزم نحو مالك العقار
المرتفق بأداء عمل أو المساهمة في نفقة . وهو يلتزم بذلك على أساس ملكيته للعقار المرتفق
به ، أي بسبب هذه الملكية . وما دام مالكا للعقار المرتفق به فهو ملتزم ، فإذا انتقلت
ملكية هذا العقار إلي غيره أصبح من انتقلت إليه الملكية هو الملتزم . فالالتزام هنا
أيضا مرتبط بملكية العقار المرتفق به ، ويدور مع هذه الملكية وجودا وعدما ، ومن ثم
فهو التزام عيني .
3 - تنص المادة 814 / 2 مدني علي ما يأتي
:
" فإذا لم يعد الحائط المشترك
صالحا للغرض الذي خصص له عادة ، فنفقة إصلاحه أو تجديده علي الشركاء كل بنسبة حصته
فيه " . فهنا أيضا يلتزم الشريك في الحائط المشترك ، إذا احتاج الحائط إلي إصلاح
أو تجديد ، بالمساهمة في النفقات بنسبة حصته في الحائط . وهو يلتزم بذلك علي أساس ملكيته
الشائعة في الحائط المشترك ، وبسبب هذه الملكية . ومادام شريكا في الحائط فهو ملتزم
، فإذا انتقلت ملكيته إلي غيره أصبح من انتقلت إليه الملكية هو الملتزم . فالالتزام
هنا إذن مرتبط بملكية الحائط المشترك ، ويدور مع هذه الملكية وجودا وعدما ، ومن ثم
فهو التزام عيني .
4 - تنص المادة 1060 / 1 مدني علي أنه
" يجوز الدائن المرتهن ،
عند حلول أجل الدين ، أن ينزع ملكية العقار المرهون في يد الحائز لهذا العقار ، إلا
إذا اختار الحائز أن يقضي الدين أو يطهر العقار المرهون رهنا رسميا ملتزم بدفع الدين
المضمون بالرهن ، لا على أساس أن التزاما شخصيا قد ترتب في ذمته ، بل على أساس ملكيته
للعقار المرهون ، وبسبب هذه الملكية . ومادام مالكا للعقار المرهون فهو ملتزم ، فإذا
انتقلت ملكية هذا العقار إلي غيره أصبح من انتقلت إليه الملكية هو الملتزم . فالالتزام
هنا كذلك مرتبط بملكية العقار المرهون ، ويدون مع هذه الملكية وجودا وعدما ، ومن ثم
فهو التزام عيني . "
وتكفي هذه الأمثلة لتوضيح ما
هو الالتزام العيني . فهو التزام يوافق الالتزام الشخصي ، من حيث أنه يجبر مدينا معينا
نحو دائن معين علي أداء عمل معين . ولكنه يفارق الالتزام الشخصي ، ويوافق الحق العيني
، في خصائص ثلاث هامة :
أولا - يتركز الالتزام العيني في عين معينة
بالذات ، ولا يتناول غيرهما من أموال المدين
. فهو ، علي خلاف الالتزام الشخصي ، لا يكفله ضمان عام على جميع أموال المدين ، ويقتصر
في ضمانه على العين التي ترتب الالتزام بسببها .
ثانيا - ومادام الالتزام العيني لم يترتب
إلا بسبب ملكية هذه العين ، فإنه يدور مع
هذه الملكية وجودا وعدما . فلا ينتقل إذن ، كما ينتقل الالتزام الشخصي ، إلي الخلف
العام . بل ينتقل إلي من انتقلت إليه ملكية العين ، حتى لو انتقلت الملكية بالميراث
، فإن الوارث يصبح ملتزما ، لا باعتباره وارثا ، بل باعتباره مالكا للعين . ويتضح ذلك
في الشريعة الإسلامية ، فإن الوارث باعتباره وارثا لا ينتقل إليه الالتزام الشخصي المترتب
في ذمة مورثة ، بل يبقي هذا الالتزام في التركة ، إذ لا تركة إلا بعد سداد الديون
. أما إذا كان الالتزام التزاما عينيا ، فإنه ينتقل إلي الوارث ، حتى لو كانت أحكام
الشريعة الإسلامية هي التي تسرى علي الميراث . ذلك أن الالتزام العيني لا ينتقل إلي
الوارث باعتباره وارثا حتى يمتنع انتقاله وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ، بل ينتقل
إلي الوارث باعتباره مالكا للعين وقد انتقلت إليه الملكية فعلا بالميراث .
ثالثا - كذلك مادام الالتزام العيني لم
يترتب إلا بسبب ملكية العين ، فإن المدين يستطيع
أن يتخلص من التزامه بتركه العين أو التخلي عنها . ولو كان الالتزام التزاما شخصيا
مترتبا في ذمته ، لما استطاع ذلك . وقد وردت نصوص صريحة تجيز الترك أو التخلي ، فيتخلص
المدين من الالتزام العيني في حالة مالك العقار المرتفق به وفي حالة الحائز للعقار
المرهون .
ففي الحالة الأولي المادة 1022 / 2 مدني تنص على ما يأتي :
" فإذا كان مالك العقار المرتفق به هو المكلف بأن يقوم بتلك الأعمال
على نفقته ، كان له دائما أن يتخلص من هذا التكليف بالتخلي عن العقار المرتفق به كله
أو بعضه لمالك العقار المرتفق " .
وفي الحالة الثانية رأينا المادة 1060 مدني تنص على
أنه
" يجوز للدائن المرتهن عند حلول أجل الدين أن ينزع ملكية العقار
المرهون في يد الحائز لهذا العقار ، إلا إذا اختار الحائز أن ... أو يتخلى عنه
" .
بقي تكييف الالتزام العيني بخصائصه المتقدمة الذكر . هناك رأى يذهب إلي
أنه التزام قائم بذاته ، وهو وسط ما بين الحق العيني والحق الشخصي ، وتجتمع فيه بعض
خصائص هذا وبعض خصائص ذاك انظر في هذا المعني رسالة من بوردو سنة 1937 ) .
ولكن الرأي الراجح هو أن الالتزام العيني ليس إلا امتدادا للحق العيني
، وليس التزاما قائما بذاته . فهو ينشأ بسبب حق عيني موجود ، ويستكمل به صاحب هذا حقه
، والتمتع بهذا الحق تمتعا كاملا ، فالالتزام العين إذن لا يعدو أن يكون استكمالا لحق
عيني ، وليس له كيان مستقل لا كالتزام شخصي ولا كحق عيني
انظر في هذا المعني رسالة من الجزائر سنة 1955
- مارتي ورينو 62 مجلد 2 فقرة 7 ص 15 ) .
تقسيم الحقوق العينية والحقوق الشخصية إلى عقار منقول
النص قانوني
تنص المادة 83 مدني على ما يأتي :
" 1 - يعتبر مالا عقاريا
كل حق عيني يقع على عقار ، بما في ذلك حق الملكية ، وكذلك كل دعوى تتعلق بحق عيني على
عقار " .
" 2 - ويعتبر مالا منقولا
ما عدا ذلك من الحقوق المالية "
ويتبين من هذا النص أن القانون بمد تقسيم الأشياء إلى عقار ومنقول من
الأشياء المادية إلى الحقوق . والحقوق أشياء معنوية لا مادية ، وهي بهذا الوصف لا تقبل
أن تكون عقارا أو منقولا . فالعقار هو الشيء المادي ذو المستقر الثابت بطبيعته كما
سبق القول ، ولا يصدق هذا على الحق ، ولو كان هذا الحق هو حق الملكية الذي جرت العادة
بخلطة بالشيء المادي ذاته الذي يقع عليه . وكذلك الحقوق لا تكون منقولة ، ولو كانت
حقوق ملكية على منقولات تختلط بها ، فلا يزال التمييز قائما بين حق الملكية وهو شيء
معنوي ، والشيء الذي يقع عليه حق الملكية وهو شيء مادي . ولكن المشرع ، تبعا لتقاليد
قديمة ، قسم الحقوق المعنوية ذاتها إلى عقار ومنقول ، لا تبعا لطبيعتها بل تبعا لطبيعة
المحل الذي تقع عليه ، ورتب على هذا التقسيم نتائج قانونية هامة .
المشرع الفرنسي كان أسبق إلى تقسيم الحقوق إلى عقار منقول
راعى في ذلك تقاليد القانون الفرنسي القديم الذي كان لا يتقيد كما قدمنا
في التقسيم ، إلى عقار ومنقول بطبيعة الشيء بل بأهميته . ومع أن المشروع الفرنسي أغفل
كثيراً من التقاليد الإقطاعية التي ألغتها الثورة الفرنسية ، إلا أنه مع ذلك لم يصل
بالتبسيط إلى نهايته ، فترك ثغرات بقي فيه الفقه والقضاء غير مستقرين مدة طويلة . فنص
في المادة 526 مدني فرنسي على ما يأتي : " يعتبر عقارا بحسب المحل الذي يقع عليه
: حق الانتفاع بالأشياء العقارية – حقوق الارتفاق – الدعاوى التي ترمي إلى استرداد
عقار " . فجاء النص ناقصا مبتورا غامضا ، فهو لم يعدد كل الحقوق العقارية إذ أغفل
حق الاستعمال وحق السكنى وحق الأمفتيوز ، ولم يبين ماذا يقصد بالدعاوى التي ترمي إلى
استرداد عقار . ونص في المادة 529 مدني فرنسي على
ما يأتي :
" يعتبر منقولا بحكم تعيين القانون ( ولم يستعمل التعبير الذي استعمله
في العقار " بحسب المحل الذي يقع عليه " لغي علة ظاهرة ) : الالتزامات والدعاوى
التي محلها مبالغ من النقود مستحق أو منقولات ، والأسهم والحصص في الشركات المالية
والتجارية والصناعية حتى لو كانت هناك عقارات تابعة لهذه المشروعات وتملكها هذه الشركات
. وتعتبر الأسهم والحصص منقولات بالنسبة إلى الشريك وحده طالما كانت الشركة باقية
– وتعتبر أيضاً منقولا بحكم تعيين القانون الإيرادات الدائمة والإيرادات مدى الحياة
، سواء كانت مستحقة على الدولة أو على الأفراد " .
ومنهنا أيضا لم يكن تعداد الحقوق المنقولة كاملا ، فقد أغفل النص الحقوق
الشخصية المتعلقة بعقار ، كما أغفل المتاجر وغيرها مما لم يكن قد وصل إلي تطوره الحالي
وقت صدور التقنين الفرنسي . وإنما عني هذا التقنين بالتركيز على ما كان هاما وقت صدوره
، فتناول الإيرادات الدائمة والمؤقتة واعتبرها كلها منقولا على خلاف تقاليد القانون
الفرنسي القديم ، وكذلك تناول الأسهم والحصص في الشركات التجارية وكانت وقت صدوره لا
تزال في أول مراحل نشوئها .
في التقنين المدني المصري الجديد
فقد وصل في التبسيط إلي نهايته
، ووضع قاعدة منطقية واضحة ، إذ اعتبر الحقوق العينية التي تقع علي العقار عقارا ،
ولم يرد بعد ذلك أن يخوض في تعداد المنقول خشية أن يفوته شيء منه ، فقال :
" ويعتبر مالا منقولا ما عدا ذلك من الحقوق المالية " . ومن
ثم يعتبر منقولا :
( 1 ) الحقوق العينية التي تقع
على منقول
( 2 ) الحقوق الشخصية التي تتعلق
بمنقول
( 3 ) الحقوق الشخصية التي تتعلق
بعقار
( 4 ) أي حقوق شخصية أخرى يكون
محلها عملا أو امتناعا عن عمل . وكذلك في الدعاوى اتبع نفس القاعدة البسيطة ، فالدعاوى
بحقوق عقارية تكون عقارا ، والدعاوى بحقوق منقولة تكون منقولا
المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في مجموعة الأعمال
التحضيرية ص 470 - ص 471 ) .